جرت العادة أن يقول المدرس عند ختم كل درس: والله أعلم، كذلك يكتب المفتي بعد كتابة الجواب، لكن الأولى أن يقال قبل ذلك كلام يشعر بختم الدرس كقوله: وهذا آخره أو ما بعده يأتي أن شاء الله تعالى ونحو ذلك، ليكون قوله والله أعلم خالصًا لذكر الله تعالى ولقصد معناه. ولهذا ينبغي أن يستفتح كل درس ببسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله، كما يستفتح جواب الفتيا بذلك ليكون ذاكرًا لله تعاطا في بدأته وخاتمته.
والأولى للمدرس أن يمكث قليلًا بعد قيام الجماعة فإن فيه فوائد وآدابًا له ولهم، منها عدم مزاحمتهم، ومنها أن كان في نفس أحدهم بقايا سؤال سأله، ومنها عدم ركوبه بينهم أن كان يركب وغير ذلك. ويستحب إذا قام أن يدعو بما ورد به الحديث، سبحانك اللهّ، اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
الثاني عشر:
أن لا ينتصب للدرس إذا لم يكن أهلًا له، ولا يذكر الدرس من علم لا يعرفه، فإن ذلك لعبًا في الدين وازدراء بين الناس. قال النبي صلى اللهّ عليه وعلى آله وسلم: المتشبع بما لم يعط، كلابس ثوب زور، وعن الشبلي: من تصدر قبل أوانه فقد تصدى لهوانه. وعن أبي حنيفة ﵀: من طلب الرياسة في غير حينه، لم يزل في ذل ما بقي، واللبيب من صان نفسه عن تعرضها لما يعد فيه ناقصًا وبتعاطيه ظالمًا وبإصراره فاسقًا، فإنه متى لم يكن أهلًا استهزئ بحاله وانتقص به، ولا يرضى ذلك لنفسه أريب ولا يتعاطاه مع الغنا عنه لبيب. وأقل مفاسد ذلك أن الحاضرين يفقدون الإنصاف لعدم من يرجعون إليه عند الاختلاف، لأن رب الصدر لا يعرف المصيب فينصره، أو المخطئ فيزجره. وقيل لأبي حنيفة ﵁: في المسجد حلقة ينظرون في الفقه؛ فقال الَهُمْ رأس؟ قالوا: لا، قال: لا يفقه هؤلاء أبدًا. ولبعضهم في تدريس من لا يصلح:
تصدر للتدريس كل مهوس ... جهول ليسمى بالفقيه المدرس
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ... ببيت قديم شاع في كل مجلس
لقد هزلت حتى بدا من هزالها ... كلاها وحتى سامها كل مفلس
الفصل الثالث
في آداب العَالِم مع طَلَبتِه
وهو أربعة عشر نوعًا: الأول: أن يقصد بتعليمهم وتهذيبهم وجه الله تعالى، ونشر العلم، وإحياء الشرع، ودوام ظهور الحق، وخمول الباطل، ودوام خير الأمة بكثرة علمائها، واغتنام ثوابهم، وتحصيل ثواب من ينتهي إليه علمه من بعدهم وبركه دعائهم له، وترحمهم عليه، ودخوله في سلسلة العلم، بين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبينهم، وعداده في جملة مبلغي وحي الله وأحكامه، فإن تعليمه العلم من أهم أمور الدين، وأعلى درجات المؤمنين على ما سبق إيضاحه. أولًا: نعوذ بالله من قواطعه ومكدراته وموجبات حرمانه وفواته.
الثاني: أن لا يمتنع من تعليم الطالب لعدم خلوص نيته، فإنه يرجى له حسن النية، وربما عسر في كثير من المبتدين، تصحيح النية لضعف نفوسهم، وقلة أنسهم بموجبات تصحيح النية، والامتناع من تعليمهم، يؤدي إلى تفويت كثير من العلم، مع أنه يرجى ببركة العلم تصحيحها إذا انس بالعلم. وقد قالوا: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله، معناه كانت عاقبته أن صار لله وينبغي للشيخ أن يحرض المبتدئ على حسن النية بتدريج، وبعلمه بعد أنسه به أنه ببركة حسن النية ينال الرتبة العالية من العلم، والعمل، أو اللطف، وأنواع الحكم، وتنوير القلب، وانشراح الصدر، وتوفيق العزم، وإصابة الحق، وحسن الحال، والتسديد في المقال، وعلو الدرجات.
1 / 9