وقد قلت انى أبين أن الأشياء التى أقول ان الانسان منها هى فى جميع الأوقات أشياء واحدة بأعيانها وانى أبين ذلك على الاصطلاح وعلى الطبع فأقول ان الانسان مركب من دم وبلغم ومرة صفراء ومرة سوداء وأول ما أقول فيها ان أسماءها تختلف على الاصطلاح حتى أنه ليس منها واحد يسمى باسم صاحبه ثم أقول بعد ذلك ان صورة كل واحد أيضا بالطبع بخلاف صورة الآخر فلا البلغم يشبه الدم فى شىء من الأشياء ولا المرار أيضا يشبه البلغم فكيف يمكن أن تتشابه أشياء مختلفة الألوان اذا رأيتها واذا لمستها أيضا بيدك لم تجد منها واحدا يشبه صاحبه فى الحرارة ولا فى البرودة ولا فى الرطوبة ولا فى اليبوسة فيجب ضرورة اذا كان بهذه الحال كلها من المخالفة بعضها لبعض فى صورتها وقواها ألا تكون شيئا واحدا اذ كان الماء والنار ليس هما شيئا واحدا وقد تقدر أن تعلم أن الأخلاط ليست شيئا واحدا لكن قوة كل واحد منها وطبيعته غير قوة صاحبه وطبيعته من هذه الأشياء أنك ان سقيت انسانا دواء يخرج البلغم وجدته يخرج منه بالقئ والاسهال البلغم وان سقيته دواء يخرج المرار وجدته يخرج منه المرار وان جرحت موضعا من بدنه حتى يحدث فيه جرح سال منه الدم وتجد ذلك كله يكون دائما فى كل حال نهارا كان أو ليلا أو صيفا كان أو شتاء ما دام يمكنه أن يستنشق الهواء ويخرجه بالتنفس الى أن يعدم أحد الأشياء التى حدثت مع حدوثه وذلك أنه يظهر أولا من أمر الانسان أن فيه جميع هذه ما دام حيا ثم من بعد حدوثه كان عن انسان فيه هذه كلها التى دكرتها وبينتها
[chapter 6]
صفحه ۸