ابو نواس: الحسن بن هانی
أبو نواس: الحسن بن هانئ
ژانرها
ويقول المؤلف في تقديم هذا القسم من كتابه: إن شهرة أبي نواس وصلت إلى هناك مشافهة، «وإنه يعرف بين السواحليين من أهل زنجبار باسم كيبو نواسي وبنواسي وأبا نواسي.» ومن تصوراتهم له أنهم يلبسونه شخصية الأرنب الذي نعرفه في ألعاب خيال الظل؛ لأنهم يمثلونه سريع الفطنة حاضر الجواب، ويلبسونه شخصية أخرى هي شخصية خيال الظل في زنجبار، ولعله أصل صاحبنا الأرنب، واسم هذه الشخصية في اللغة السواحلية بواليم كرجوش، وهي كلمة تمت إلى الأرنب؛ لأنها بالفارسية شرجوش وتعني الأرنب. «ومقطع «كي» الذي يقدمون به اسم «كيبو نواسي» تصغير لكلمة الشاعر في اللغة السواحلية، حيث يتخيلونه ضئيل الجسم عظيم الفطنة، ويقال: إن اسم النواسي قد أصبح علما على كل من كان عنده جواب حاضر لكل سؤال، ومخرج قريب من كل ورطة، أو علم على اللبيب الذي نقول نحن: إنه يضحك كثيرا؛ لأنه يضحك أخيرا».
1
ومن أمثلة هذه الحكايات حكاية أنقذ فيها أبو نواس مسكينا متسولا من براثن تاجر طالبه بعوض عن رائحة طعامه، قالوا: «إن تاجرا ذبح معزة ومر به مسكين، فجلس إلى جانب القدر لعله يستسيغ الخبز القفار باستنشاق رائحتها، ثم لقى التاجر فقال له: إنك أيها السيد قد أحسنت إلي أمس إذ منحتني رائحة معزتك فاصطبغت بها هنيئا، فأخذ التاجر بتلابيبه وهو يقول له: الآن علمت كيف ضاعت النكهة من لحمها، فقد اختلستها أنت إذن ولا ندري، وساقه إلى هارون الرشيد - وقد كان شديد المحاباة للتجار - فحكم على المسكين بتغريمه اثنتي عشرة روبية يأخذها التاجر ثمنا لنكهة ذبيحته، وخرج المسكين يبكي؛ لأنه لا يملك فلسا من هذه الغرامة، فوجد أبا نواس في الطريق، وعطف عليه أبو نواس حيث علم منه سبب بكائه، ووعده أن يساعده، ثم أعطاه اثنتي عشرة روبية، وأوصاه أن يغدو بها إلى السلطان لا يؤديها له حتى يحضر هو مجلسه، ثم كان الغد فجاء إلى المجلس ورأى المسكين يعد الدراهم، فأخذها منه ورنها على الأرض، وسأل التاجر: أسمعت رنينها؟ قال: نعم؟ ومد يده إلى الدراهم يريد أن يقبضها، فرده أبو نواس وصاح به: حسبك، لقد وصل إليك الثمن رنينا برائحة، فإذا كان المسكين قد شبع من رائحة طعامك، فأنت حري أن تملأ يديك من رنين دراهمه، وترك الروبيات للمسكين وانصرف إلى داره.»
وإلى جانب هذه الحكاية وما جرى مجراها حكايات مطولة يقول المؤلف: إنها تسمع إلى الآن بين القبائل الزنجية، وتنقل عن غيرها من القبائل التي تتداول طرائف السحرة وأصحاب التعاويذ والكهانات، ولا ر يب أن أبا نواس قد انفرد بهذه الخاصة بين أدباء العربية في جميع العصور، ولا يقدح في هذه الحقيقة أن الأميين، وأشباه الأميين يروون النوادر عن عنترة بن شداد، ويضيفون إليه غرائب الشجاعة والإقدام، فإن نوادر عنترة بين الأميين وأشباه الأميين أقل كثيرا من النوادر النواسية في بابها أو في أبوابها، فقد أصبحت لها أبواب ولم تنحصر في باب واحد.
ما سر هذه الشهرة المنفردة؟
سرها بإيجاز أن أبا نواس قد أصبح عند عارفيه الأولين «شخصية نموذجية»؛ أي شخصية تمثل نموذجا اجتماعيا، ويعيش في كل زمن، وسر رجحانه على الشخصيات النموذجية من قبيل عنترة بن شداد أن وقائع الشجاعة أندر من وقائع «الحذاقة» في المجتمع، وأنها لا تصادف الناس في كل زمن كما تصادفهم الوقائع التي تدخل في مجال الشخصية النواسية.
وقد قيل: إن الناس مولوعون بالتحدث عن الشخصيات النموذجية يضيفون إليها كل خبر من جنس أخبارها.
وهذا صحيح. فقد أضاف الناس كثيرا من أخبار الجود إلى حاتم الطائي، وهي لم تقع له ولا لأحد من الكرماء المعروفين، وبعضها قد وقع لأناس آخرين على سبيل التحقيق.
وكذلك فعلوا بأخبار الحكمة مع لقمان، وأخبار الشجاعة مع عنترة وأخبار الطب مع بقراط، وأخبار كل شخصية نموذجية سمعوا بها في زمن من الأزمان.
لكن الأصح أنهم يضيفون إلى الشخصيات النموذجية ما هو من جنس أخبارها، وما ليس من جنسها، فإذا كان الأمر الأعم أنهم يراعون التناسب في جنس الأخبار، فلا يمتنع مع هذا أنهم يضيفون إليها أخبارا أخرى لا تناسب بينها وبين تلك الشخصيات، ويكفيهم منها أنهم يعرفون علما مشهورا يتكلمون عنه كلما أرادوا التعالم بمعرفة المشهورين.
صفحه نامشخص