فالتفتت إلى ريحانة وفي عينيها أمارات الاستفهام، فأجابتها بنظرة الاستغراب، فقال الضحاك: «لا تستغربي يا مولاتي، فإني أفصح لك عن مرادي بعبارة وجيزة. قد رأيت اليوم ما كان من تأييد أبي مسلم لابن الكرماني، ولا أظنك تجهلين معنى ذلك التأييد؛ فأبو مسلم لم ينصر عدوه هذا إلا احتيالا حتى يتمكن من الفوز عليه في شيئين مهمين؛ الأول: أنت؛ وهو الأهم عنده، والثاني: فتح مرو. ولا يغرنك ما يبديه ابن الكرماني من مسايرة أبي مسلم، فهو إنما يسايره ريثما يحقق غرضه فيتزوج الدهقانة ويفتح مرو، وكل منهما لا ينال غرضه إلا بقتل صاحبه لينفرد بالغنيمتين؛ فالكرماني يدبر الوسائل لقتل أبي مسلم، وهذا يدبرها لقتل ابن الكرماني، وترجيح الفوز لأحد المتنافسين راجع إلى رأيك.»
فاستغربت جلنار هذا التفصيل، وأدركت بعض ما يهدف إليه الضحاك، وأشكل عليها البعض الآخر فقالت: «وما أثر رأيي في ذلك؟»
فقال وهو يبالغ في خفض صوته وجلنار تطاول بعنقها نحوه: «إن ابن الكرماني يترقب غفلة من أبي مسلم ليغتاله، ولا ندري متى يتأتى له ذلك، وقد أراد أبو مسلم أن يسبقه إلى اغتنام تلك الغفلة منه فيقتله، وريحانة تأبى ذلك؛ فأرجو ألا يكون رأيك من رأيها.»
فقالت: «هل ترضى ريحانة بفوز ابن الكرماني؟ لا أظن.»
قال: «لم تقل ذلك صريحا، ولكنني ذكرت لها طريقة تسهل قتل هذا الرجل وتجمعك بأبي مسلم، فعرقلت مساعي.»
فقطعت ريحانة كلامه ووجهت خطابها إلى جلنار قائلة: «ليس الأمر كذلك يا مولاتي، ولكنه جاءني برأي لا أظنك ترضين به.»
فابتدرها الضحاك قائلا: «ألا ترضى مولاتنا بقتل هذا الرجل وفوزها بأبي مسلم؟»
قالت ريحانة: «ولكنك تريد أن يكون قتله على يدها!»
فلما سمعت جلنار قولها بدا الارتباك في وجهها، ونظرت إلى الضحاك فرأته يصعد كتفيه ويقلب شفتيه ولسان حاله يقول: «ذلك لا يعنيني.»
فقالت جلنار: «أحقيقة أنت تعني ذلك؟ أتعني أن أقتل هذا الرجل؟ وكيف أقتله وهو لم يسئ إلي بشيء؟»
صفحه نامشخص