قال: «أنا الضاحك المبكي، وأرجو ألا تكون باكيا وأنت خازن هذه الحملة.»
قال: «قلت لك صرح وأخبرني بحقيقة أمرك وأنا طوع إرادتك.»
قال: «لا تهمك حقيقة أمري، فأنا ساتر ذنبك، ولي عندك حاجة. أتقضيها لي؟»
فسر إبراهيم بذلك السؤال وأحس بانفراج كربه وقال: «اطلب ما شئت؛ فإني فاعل ما تريد.»
قال: «هل لك دالة على أبي مسلم؟»
فأطرق إبراهيم وقد ظهر عليه الارتباك وقال: «إن أبا مسلم ليس ممن تؤخذ الدالة عليه؛ لأنه شديد غضوب يندر أن يضحك، ولا يتكلم إلا قليلا، وجلساؤه يخشون غضبه؛ لأنه يقتل لأقل شبهة، وأظنك سمعت وصية الإمام، التي تلاها على مولاك الدهقان الليلة، وهو يوصيه فيها بأن يقتل كل من يشك فيه. فمن كان هذا شأنه، فهل من سبيل إلى الدالة عليه؟ أما إذا كنت تسعى للحصول على شيء منه؛ فإني أبذل ما في وسعي للوصول إليه.»
قال: «لقد نطقت بالصواب، ولو قلت لي غير ذلك لاتهمتك وشككت فيك، وعند ذلك يحق لي أن أنفذ وصية الإمام فيك.» وضحك ثم قال: «وأريد أن أسألك سؤالا آخر: هل عندك للسر مكان؟»
قال: «بئر عميقة. لا تخف.»
قال: «لا أخاف منك؛ لأن روحك في قبضة يدي، وليس أسهل علي من أن ألقي الشك في قلب أبي مسلم. ويكفي أن أذكر له مسألة النقود اليوسفية.» ثم نهض بغتة ويده في منطقته، فأخرج منها النعلين ولبسهما ووقف، فعجب إبراهيم لعمله وخشي أن يعاوده الجنون فتحدثه نفسه أن يشكوه إلى الأمير في تلك الساعة، فنهض معه وأظهر الاهتمام به وقال: «ما بالك يا أخي؟ قل ما هو ذلك السر.»
قال: «نسيته في البيت؛ فأنا ذاهب لاستدعائه.» وضحك، فضحك إبراهيم مجاملة له، ولكنه ازداد خوفا من هذا الأبله، ولم يعلم كيف يسترضيه، فقال له: «بالله كف عن المزاح وأخبرني، وأنت القابض على حياتي؛ فلا تخف وأنا إنما أريد قضاء حاجة لك.»
صفحه نامشخص