قالت: «أنت تعلم أن مولاتنا الدهقانة مخطوبة لابن الكرماني؛ أمير الجند المحاصر لمرو، وستزف إليه قريبا بإرادة والدها، ولكنني رأيت الليلة أن أجل الكرماني قصير؛ لأن هذا الخراساني على ما يظهر سيغلبه. ولقد لحظت أنا منه أنه يميل إلى مولاتنا، وأظنه يريد أن يتزوجها، ولكنه لم يصرح بذلك. فالمطلوب الآن أن تبحث عن صحة هذا الأمر بدهاء وحسن أسلوب، بدون أن يشعر أحد بك، وأخبرني. ولا بد من معرفة ذلك الليلة.»
قال: «هذا أمر هين علي. وإذا فرضنا أنه لم يحبها بعد؛ فإني أجعله يحبها. فما رأيك؟»
قالت: «إذا كان ذلك في إمكانك؛ فإن مكافأتك ستكون عظيمة جدا. وهذا سر عميق.»
فأطرق الضحاك برهة وقد بدا الجد في وجهه، ثم التفت إلى ريحانة وقال: «إني ذاهب الساعة؛ فادعي لي بالتوفيق.»
قالت: «امض. وفقك الله.»
فقال: «أمهليني ريثما أصلح من شأني أمام مرآتك.» ووقف أمام مرآة من النحاس معلقة على الحائط وحل عمامته وجعل يلفها على نظام مضحك، وعبث بشعر لحيته وشاربه حتى تشعث وانتفش، وخلع جبته وقلبها، ولبسها بقفاها، ونزع نعليه وثبتهما في منطقته وسار حافيا وهو يضحك كالأبله وخرج.
أما أبو مسلم فإنه سار مع خالد والخدم يسيرون أمامهما بالشموع بين الأشجار والرياحين حتى وصلوا إلى بيت بجانب السور قد أضيء بالمصابيح، فدخلا وقد سبقهما الخدم فدلوهما على الأسرة المعدة للنوم ورجعوا، فأسرع أبو مسلم بنزع ثيابه وسلاحه، وأخذ يتأهب للنوم وهو لا يتكلم. وكان خالد في شغل من أمر جلنار وما شهده من جمالها، وما لحظه من نظرها إلى أبي مسلم، وما كان من جمود أبي مسلم بشأنها، وكان يتوقع أن يسمع منه شيئا عنها، فإذا هو لم يفه بكلمة، فظل خالد ساكتا وأخذ في خلع ثيابه وسلاحه، ولم يستغرب سكوت أبي مسلم؛ لعلمه أنه كثير السكوت لا يتكلم إلا قليلا، ويندر أن يضحك.
الفصل الحادي عشر
إبراهيم الخازن
أما إبراهيم الخازن فإنه رجع بالأكياس إلى غرفة من ذلك المنزل بعيدة عن غرفة أبي مسلم وخالد. فلما دخل الغرفة أمر الغلمان أن يضعوا الأكياس وينصرفوا. وكان إبراهيم يهودي الأصل، وقد أسلم أبوه لا رغبة في الإسلام، ولكن لأنه رأى في الإسلام سبيلا إلى الكسب، وشب إبراهيم هذا وهو أطمع من أبيه، وتزلف وتملق حتى تقرب من النقباء رجال الدعوة. وكان محاسبا ماهرا، فجعله أبو مسلم خازنا له، وكان يقبض الأموال ويقيدها رغبة في الكسب من ذلك. ولم يكن كسبه من التلاعب في عد النقود أو سرقة شيء منها؛ لأنه لم يكن يستطيع ذلك إلا نادرا، ولكنه كان يكسب باستبدالها؛ لأن النقود كانت في ذلك الحين أنواعا كثيرة، ومنها ناقص الوزن وكامله باختلاف ضاربيها.
صفحه نامشخص