قالت ريحانة: «إنه يريد لك الخير.»
قالت: «صدقت، ولكني أراه شديد الرغبة في زواجي.»
فقالت ريحانة: «أتلومينه على ذلك؟ وأي أب لا يريد أن يزوج بناته؟ وأنت - من نعم المولى - في رغد وسعادة، وأبوك أكبر دهاقين خراسان، وليس له سواك، وكلما جاءك طالب رفضته، أفيلام أبوك إذا غضب.»
فتنهدت جلنار وكأنها أرادت السكوت، ولم يطاوعها قلبها فقالت وهي تتشاغل بإصلاح قميصها عند العنق: «وهل تظنين أني أكره الزواج؟ لكني أرى أن والدي لا يهتم في زواجي إلى غير مصلحته. وأنت تعلمين ذلك.»
فتجاهلت ريحانة وقالت: «لا أراه كما تقولين - يا مولاتي - لأنه إنما أراد زواجك بأكبر أمراء العرب في خراسان. ولا يخفى عليك أن هذا الأمير لا يطلب فتاة إلا نالها؛ لأنه الحاكم النافذ الكلمة، ومن تقرب منه اكتسب مثل هذا النفوذ.»
فقطعت جلنار كلامها قائلة: «وهذا ما أقوله. إن أبي يريد تزويجي بابن الكرماني؛ أمير هذا الجند؛ ليكتسب النفوذ عنده، وليكثر دخله من جباية الخراج. ثم إن الكرماني هذا لم يتم له الأمر؛ فهو ليس الأمير الحاكم، وإنما هو يطلب الحكم لنفسه، وما أدرانا أنه سوف يناله؟!»
قالت ريحانة: «أما ظفره بالإمارة فإنني واثقة من ذلك لما علمته من قوة جنده؛ فهو الآن يحاصر مرو؛ عاصمة خراسان، وقد ضيق على أميرها نصر بن سيار حتى فر نصر من بين يديه، ولا يبعد أن يعود نصر إلى التسليم، فيصير الكرماني صاحب الأمر والنهي في خراسان، فتكونين حينئذ أميرة خراسان.»
قالت: «أراك تخلطين وتتخبطين. أأتزوج ابن الكرماني على أمل أن أباه سيغلب أمير خراسان ويقوم مقامه؟ وما أدرانا أن الخليفة في الشام سيرسل جندا ليحارب الكرماني هذا ويقهره. فكيف تكون حالنا؟»
فابتسمت ريحانة وقالت: «أما من ناحية الخليفة في الشام، فكوني على يقين من أنه لن يحرك ساكنا لاشتغاله بما حوله عما هو بعيد عنه؛ فقد علمت من خادمك الضحاك أنه لما تولى الخليفة الحالي مروان بن محمد قامت الناس عليه، حتى أهله ورجاله، وقد قضى زمنا وهو يحارب ويغالب في بلاد الشام، ولم يستطع إخضاع تلك البلاد إلا بشق الأنفس، فهو لا يطمع في استرجاع خراسان إذا تغلب عليها رجل مثل الكرماني.»
قالت جلنار: «لقد ذكرتني بذلك المضحك. إنه خفيف الروح، وأراه - برغم أنه عربي - يعرف اللغة الفارسية جيدا، ومع ما يظهر من بلهه وضحكه المتواصل، وخفة روحه، فإنه بعيد النظر، ذو دهاء، ويمكن الاعتماد عليه. ومن الغريب أنه عربي وقد دخل في خدمتنا على هذه الصورة. أين هو الآن؟ استدعيه لعلنا نستفيد شيئا من حديثه.»
صفحه نامشخص