ابومسلم خراسانی

جرجی زیدان d. 1331 AH
205

ابومسلم خراسانی

أبو مسلم الخراساني

ژانرها

فقالت ريحانة: «أتركه؛ فإني قابضة عليه، وسوف يعجز عن الفرار مني.»

الفصل الثامن والسبعون

الخاتمة

فتركه إبراهيم ووقف بين يدي الخليفة وقال: «إن هذا الذي يتظاهر بالزهد ويسمي نفسه تارة صالحا، وطورا الضحاك، وآونة الزاهد؛ رجل من الخوارج الأشرار كان في جملة رجال شيبان بقرب مرو في أثناء محاصرة أبي مسلم إياها، وقد قام في نفسه أن يساعد حزبه بالمكائد والحيل، فالتصق بوالد هذه الفتاة؛ وهو من الدهاقين في خراسان، فجعل نفسه خادما عنده، واحتال حيلا استخدم فيها هذه الفتاة لقتل أعدائه، وهي تطيعه عن سذاجة وسلامة نية؛ طمعا في مساعدته في الفوز بأبي مسلم. وقد كان أقنعها أن أبا مسلم يحبها، وزعم أنه شكا إليه حبها، ولم يكن هذا القتيل يعلم ذلك، ثم ظهر لها أن أبا مسلم لا يحبها، فحملت ذلك محمل الخيانة منه، وحرضها هذا الشرير على الانتقام منه لوالدها. وكان أبو مسلم قد قتله بدسيسة بعضهم، فحمل هذه الفتاة وطار بها في الآفاق يترقب الفرص لإتمام غرضه. والخوارج - كما لا يخفى على أمير المؤمنين - لا يرون السلطة جائزة لأحد. ثم ندم أبو مسلم على جفائه، ورأى أن هذه المسكينة مظلومة، فبعثني بكتاب منه هو هذا الذي بيد أمير المؤمنين، وكلفني أن أطوف البلاد للبحث عنها، فوجدتها في الكوفة وهممت أن أخبرها بالأمر، فحال هذا اللعين بيننا؛ لأنه لما علم بمجيئي هرب بها إلى دير خارج الكوفة، وأسرع للاحتيال على أمير المؤمنين حتى أقام في قصره، وأظهر أنه يشير عليه ويطلعه على الغيب، ثم بلغه أنني أبحث عن هذه الفتاة لأبلغها هذه الرسالة، فكتم ذلك عنها مع أنه شاهدها بالأمس، وشكت إليه غربتها وأن نفسها تحدثها برضى حبيبها، وهو ينكر ذلك مخافة أن يكون في اطلاعها على فحوى الكتاب ما يخفف ذنب ذلك المسكين عند أمير المؤمنين. ولا شك عندي أن أمير المؤمنين لو اطلع على هذا الكتاب قبل فتكه بهذا القائد العظيم لحفظ له حياته؛ إذ يتحقق من توبته وتعلقه بالخلافة العباسية.

وقد عرفت بوجود هذا الخارجي في دار أمير المؤمنين منذ أمرتني بكتابة ذلك الكتاب الذي كان سببا في مقتل هذا الرجل، وعلمت أنه ما من أحد يعرف مكان جلنار سواه، فما زلت أترقب خروجه إليها حتى المرة الأخيرة، فأرسلت غلاما عرف مكانها، وعاد إلي قبل رجوعه، وأنا مع أمير المؤمنين في هذه المدينة. فلما جاء أبو مسلم منذ ثلاثة أيام فرحت بمجيئه، وأحببت أن أفاجئه بمجىء حبيبته، فلم أذهب للسلام عليه، بل أسرعت إلى الدهقانة ودفعت الكتاب إليها، فجاءت معي وقلبها يكاد يطير من الفرح، فسرني أن يتم لقاء هذين الحبيبين تحت ظل أمير المؤمنين، فلما وصلنا إلى هذا القصر قيل لنا إن أبا مسلم في مجلس الخليفة، فالتمسنا من قيم الدار أن يدخلنا لنقيم ريثما يفرغ من المقابلة، فأدخلونا إلى هذه الحجرة المؤدية إلى هنا، فجلسنا ننتظر خروج هذا المسكين، ثم سمعنا صوته واستغاثته، وعلمنا أنه يقتل، فهجمت هذه الفتاة وهي لا تعي ولم أستطع ردها، وفعلت ما رأيتموه. وإذا شاء أمير المؤمنين أن يتلى هذا الكتاب بحضرته، تحقق من صدق قولي.»

فأخفى المنصور الكتاب لئلا يكون فيه ما يثبت توبة أبي مسلم، فيذاع أنه قتل مظلوما.

فلما فرغ إبراهيم من كلامه صاحت جلنار بصالح: «ويلك يا خائن! أنت من الخوارج، وقد خدعتني طوال هذه المدة، وأنا أضعك في منزلة أبي؟» وصرت على أسنانها وأطرقت وهي تبكي.

فقالت ريحانة وهي لا تزال ممسكة بثوب صالح: «اعلم يا أمير المؤمنين أن هذا الرجل هو الذي سعى في مقتل الإمام إبراهيم عند مروان، ثم جعل نفسه زاهدا ، فجاءكم في الحميمة وخدعكم، ولا يزال يخدعكم إلى الآن. وإذا كنت لا تصدق قولي؛ فاطلب منه أن يزيل هذه العصابة عن عينيه، فيظهر لك أنه سليم البصر وهو يتظاهر بالعمى.» قالت ذلك ومدت يدها، فحلت العصابة فبانت عيناه، فأجال نظره في الحضور وهو ثابت الجنان، رابط الجأش، كأنه واقف على ضفاف دجلة للنزهة.

فلما سمع المنصور ذلك انفطر قلبه على تلك الفتاة، ولكنه لم يندم على قتل أبي مسلم، ثم التفت إلى صالح فرآه واقفا لا يتكلم ولا يرتعد، ولم تظهر عليه البغتة، فأراد أن يسأله عما سمعه فقال له: «ماذا تقول عما سمعته؟»

فقال صالح: «كل ما قالوه صحيح.»

صفحه نامشخص