ابومسلم خراسانی

جرجی زیدان d. 1331 AH
192

ابومسلم خراسانی

أبو مسلم الخراساني

ژانرها

فبغتت جلنار وقالت: «قتلوه أيضا؟ وكيف ذلك؟»

فقال صالح: «لما قتلوا أبا سلمة، كما أخبرتك، اتفق أن ابن كثير قال كلمة نقلها بعضهم إلى أبي مسلم، فشك فيه فقتله جهارا بلا تحقيق ولا نظر! فهل يؤمن جانب أناس مثل هؤلاء؟ فكل من عرفوا عنه انحرافا ولو أظهر الطاعة فإنهم يفتكون به سرا أو جهرا.» وقد أراد صالح أن يعرض مرة أخرى بما دار بينه وبينها في المرة الماضية؛ ليثبتها على عزمها ضد أبي مسلم، فرآها أصبحت تخشى ذكره؛ لأنه سبب تلك الفظائع كلها. وقد ارتكبها في أقل من عام.

الفصل الثالث والسبعون

خلافة المنصور

فلما أيقن صالح بثبات جلنار على عزمها، أخذ في تدبير الوسائل للفتك بأبي مسلم بنفس الطريقة التي قتلوا بها أبا سلمة، وأخذ ينتهز الفرص لذلك. فلما مات أبو العباس السفاح سنة 136ه، أفضت الخلافة إلى أخيه المنصور، فأيقن بوصوله إلى الغرض المطلوب بعد ما قدمه من التمهيد في هذا السبيل منذ لقيه في الحميمة وبشره بالخلافة، فلما علم بموت السفاح وخلافة المنصور ذهب إلى جلنار وأمارات السرور بادية على وجهه. وكانت جلنار تنتظر مجيئه بفارغ الصبر، فإذا رأته قادما خفق قلبها توقعا لما عساه أن ينقله إليها من الأخبار، ثم تتفرس في وجهه وتستطلع ما في نفسه من سرور أو انقباض. فلما جاء في ذلك اليوم، رأت السرور باديا على وجهه، فاستبشرت وفرحت، وكذلك ريحانة، فإنها كانت تقرأ عواطف مولاتها، فابتدرته قائلة: «هل من بشرى طيبة؟»

فقال صالح: «قد دنا وقت النجاح الأكيد؛ فمات أبو العباس وأفضت الخلافة إلى أخيه المنصور صاحبي. وهذا يؤمن بكرامتي، وقد بشرته بالخلافة منذ بضعة أعوام، وأرجو أن يكون تحقيق هدفنا على يده، وخاصة لأن في نفسه حقدا على أبي مسلم من قبل الخلافة.»

فقالت جلنار: «وأي حقد في نفسه وأبو مسلم هو الذي سلم إليه الخلافة، ولو أراد تحويلها إلى سواهم ما لقي معارضا؟»

فاستغرب صالح تصدي جلنار للدفاع عن أبي مسلم، وقد فاته أن الحب إذا تأصل في قلب الكريم لم تنزعه الكوارث، ولكنها تضغط عليه فتخفيه، فإذا أزيحت عنه عاد إلى رونقه بأحسن مما كان، فلما سمع صالح قولها تجاهل وغالطها وقال: «لا يخفى على مولاتي الدهقانة أن طلاب السيادة هذا شأنهم، فإنهم لا ينفكون عن المحاسدة والمفاخرة والمحاذرة؛ فأرى الآن أن أذهب إلى المنصور، فهو لا شك سوف يستقبلني بترحاب ويقدمني ويستبقيني عنده. وأحب البقاء هناك؛ للسعي في أمرنا. فهل تبقيان هنا، أم تذهبان معي إلى الأنبار؛ لأن مقر الخلافة انتقل إليها؟»

فقالت جلنار: «كيف نبقى هنا وأنت بعيد عنا؟ إنني أرى أن ننتقل إلى الأنبار نقيم في بعض بيوتها، ولا خوف علينا؛ فإن الناس قد نسوا أمرنا، وكفانا هذا الحبس.»

ففرحت ريحانة برأي سيدتها؛ لأنها كانت قد سئمت الحبس في ذلك الدير، فقال صالح: «اسمحي لي بالذهاب أولا وحدي؛ لأتجسس الأمور ثم أعود إليكما فأنقلكما إليه.» فوافقته على ذلك، لكنها ألحت عليه بسرعة الرجوع وقالت: «إذا أبطأت علينا سرنا إليك وبحثنا عنك في بلاط الخليفة.» قال: «حسنا.» وخرج يتأهب لمقابلة المنصور، فصبغ لحيته وبدل ثيابه، كما كان حين قابله في الحميمة منذ بضع سنوات، وزاد على ذلك أن تظاهر بإصابته بالرمد، وغطى عينيه بعصابة مبالغة في التنكر؛ لعلمه أن في دار المنصور أناسا يعرفونه، ولا سيما خالد بن برمك. وكان قد رآه مرة في بيت دهقان مرو، والعينان أظهر ملامح الوجه، وأدل على صاحبهما من سائر الأعضاء.

صفحه نامشخص