ابومسلم خراسانی

جرجی زیدان d. 1331 AH
186

ابومسلم خراسانی

أبو مسلم الخراساني

ژانرها

فبات تلك الليلة ولم يغمض له جفن؛ لشدة ما هاج في خاطره من الغضب على إبراهيم الخازن، وكيف تمكن من كشف أمرهم، وعرقلة مساعيهم.

وفي صباح اليوم التالي، بادر إلى دير هند فوجده آهلا بالرهبان، فسألهم: هل يضيفون النساء؟ فأجابه أحدهم: «في الدير مكان للضيافة ينزل فيه من شاء على الرحب والسعة.»

فأحب أن يسأل عن الإقامة في مكان خفي لا يراهم فيه أحد إلا من أرادوه، فخشي أن يؤدي استفهامه إلى شيوع السر، وتذكر الاعتراف الشائع عند النصارى لقسسهم، وأنه سر مقدس لا يبوحون به ولو هددوا بالقتل، فرأى أن يجعل حديثه مع رئيس الدير على سبيل الاعتراف، فسأل عنه، فأخذوه إليه، فإذا هو شيخ جليل عليه ملامح الاحترام والوقار، فسلم عليه وأكب على يده كأنه يقبلها، فقبله الرئيس ودعاه إلى الجلوس، وأمر له بالطعام وبعض الفاكهة والشراب، فقال صالح: «أشكرك يا حضرة الأب المحترم على تفضلك؛ فإني لا أحتاج إلى طعام ولا شراب، وأنا جئتك بسر أريد أن أبوح به إليك، وأستشيرك فيه. وقد علمت أنكم معشر القسس من رجال الله، ومستودع أسرار خلقه.»

فانشرح صدر الرئيس لهذا المديح وقال: «مرحبا بك. قل ما تريد ولا تخف.»

فقال صالح: «معي فتاة من أهل البيوت أصابتها نكبة أدت إلى فرارها من وجه الظلم، فلم تر خيرا من التجائها إلى بيت من بيوت العبادة، وقد دلنا بعضهم على هذا الدير، فهل يجوز ذلك؟»

فقال الرئيس: «كيف لا وعندنا دار خاصة بالضيوف؟! أما إذا استشرتني، فأخبرك أن دار الضيوف عندنا لا تخلو من المارة، ولا يمكننا أن نمنع أحدا من النزول بها، فلا يكون سركم في أمان تام، ولكنني أدلكم على دير للعذارى الراهبات على مرحلة من هذا المكان، وهو أجدر بإقامة النساء فيه؛ لأنه خاص ولا يقيم به الرجال، فإذا شئت أوصيت رئيسته بك، فتهيئ لها غرفة خاصة، وأما أنت فإذا اخترت أن تقيم عندنا فمرحبا بك.»

ففرح صالح بهذا التوفيق من الجانبين، وهو يعلم أن الأديرة تقوم بهبات المحسنين، فلو دفعت جلنار إلى رئيسة الدير بضع مئات من الدنانير؛ فإنها تملك قلبها، وتكون آمنة عندها، فارتاح باله لهذا التدبير وعاد إلى حمام أعين، وأراد قبل انتقاله إلى الدير أن يكمل بحثه عما فعله العيار، فسار إلى قصر أبي سلمة واستفسر منه عن ذلك، فأخبره أنهم لم يقفوا للرجل على أثر، فتحقق صالح من أن أبا سلمة وبطانته أصبحوا في خطر، فرأى أن يبعد عنه بالحيلة، فذهب إلى جلنار وأخبرها بما دبره وقال لها: «فالآن ينبغي أن نخرج من هذه المحلة خلسة بحيث لا يشعر أهلها بنا، ولا يعلم أحد بقصدنا.»

فقالت جلنار: «وخالتي لا تعلم أيضا؟»

فقال صالح: «وخالتك قبل الجميع.»

فقالت جلنار: «والخدم؟»

صفحه نامشخص