فتذكرت جلنار وصية الضحاك أنه لا يريد أن يعلم أحد ببقائه حيا، فسكتت عن ذكره، ولكنها ظلت مقتنعة بصدقه لاختبارها إياه من قبل، ولأنها رأت غيرته عليها وتفانيه في خدمتها، فترجح عندها غدر أبي مسلم، وأنه استخدمها واستخدم الضحاك في تنفيذ غرضه لقتل ابن الكرماني ثم قتل الضحاك، فخشيت إذا جادلته أن يغضب ويأمر بقتلها، وليس أهون عليه من القتل، فاستجمعت رشدها وعمدت إلى الملاينة ريثما تنقذ والدها، فقالت: «لا تغضب أيها الأمير، فإني لم أحبك من أجل الزواج، ولكنني أحببت مناقبك وسجاياك.»
فأدرك أبو مسلم أنها تخدعه خوفا من غضبه، فخدعها وقال لها: «وأنا أحببت مناقبك وشكرت غيرتك ونصرتك.»
فلما سمعت تلك المجاملة منه وتحققت أنه لا يحبها أخذت تشعر بانقلاب حبها إلى بغض، ولكنها لم تر بدا من استعطافه لإنقاذ والدها، فقالت: «فأتوسل إليك أن تعفو عن ذنب والدي وأن تبقيه.»
قال: «ذنب والدك لا يغتفر؛ لأنه يعد خيانة.»
فقالت: «هب أنه خيانة، فاجعله في مقابل خيانتي ابن الكرماني في سبيل نصرتك وهو زوجي.»
قال: «إنك لم تقتليه في سبيل دعوتي، بل قتلته رغبة في زواجي!»
قالت: «وهل تعد ذلك ذنبا لي؟ وعلى كل حال فقد ساعدتكم على قتل الرجل مع أنه زوجي؛ أفلا تكافئني على قتله بالعفو عن والدي؟»
قال: «أتعدين ذلك فضيلة فيك، وهي خيانة، ثم تتوقعين أن أتزوجك؟ ومن يضمن لي أنك لا تقتلينني؟ أما والدك فلا تتعبي نفسك في أمره، ولو أردت أن أطاوعك في العفو عنه فلا سبيل إلى ذلك وقد سبق السيف العذل.»
فنهضت ثم جثت بين يديه وهمت بتقبيل ركبتيه، وذرفت الدمع وهي تقول: «أستحلفك بالإمام إبراهيم؛ صاحب هذه الدعوة، أن تعفو عن والدي؛ لأني أصبحت بعد جفائك لا سبيل لي سواه.» قالت ذلك وصوتها يتقطع وتكاد تشرق بدموعها.
فدفعها بيده وحول وجهه عنها وهو يقول: «قلت لك قد سبق السيف العذل، ولا سبيل إلى إبقاء والدك على قيد الحياة.»
صفحه نامشخص