وكان التعليم في تلك الحلقات يعتمد على أسس تربوية هامة، تعتبر من أبرز الأسس في التربية الحديثة (1). ثم ما لبثت أن ظهرت دور الحديث في العصور التالية، في معظم البلدان الإسلامية.
وفي عهد التابعين وأتباعهم ازداد النشاط العلمي لانتشار الصحابة في الأمصار الإسلامية، ثم ما لبث التابعون أن تصدروا للرواية، وسلكوا سبيل الصحابة، وساروا على نهجهم، فكانوا على جانب عظيم
من الورع والتقوى، وليس بعيدا ما نقول لأنهم تخرجوا من مدارس الصحابة تلامذة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتثبتوا في قبول الحديث وروايته، وكانت أمام عيونهم وصية الصحابة وكبار التابعين: «إن هذا الحديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم»، ولهذا كانوا يرون الأمانة في الذهب والفضة أيسر من الأمانة في الحديث. فنسمع سليمان بن موسى يقول لطاووس: «إن رجلا حدثني بكيت وكيت، فيقول له: إن كان مليا فخذ منه» (2)، وكان ابن عون يقول: «لا يؤخذ هذا العلم إلا ممن شهد له بالطلب» (3).
وكان يزيد بن أبي حبيب محدث الديار المصرية يقول: «إذا سمعت الحديث فانشده كما تنشد الضالة، فإن عرف، وإلا فدعه» (4).
وكانوا لا يأخذون الحديث إلا عن العدول الثقات، ولا يأخذون الحديث عن غير أهله، ولا عمن لا يعرف ما يروى، قال الإمام مالك: «لا يؤخذ العلم عن أربعة، ويؤخذ ممن سوى ذلك: لا يؤخذ من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه، ولا من سفيه معلن بالسفه، وإن كان من أروى الناس، ولا من رجل يكذب في أحاديث الناس، وإن كنت لا تتهمه أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من رجل له فضل وصلاح وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحدث» (5) وقال الإمام الشافعي:
صفحه ۴۵