والمسلمين عامة أحكام الإسلام وتعاليمه وآدابه، ولم يكن بين الرسول الكريم والمسلمين حاجب كالملوك والقياصرة، بل كان المسجد معهده يعلم فيه المسلمين الشريعة، وقد يرونه في الطريق فيسألونه، فيبش لهم ويجيبهم، وقد يعترضونه في مناسكه وحجه، أو على راحلته، يستفتونه فيفتيهم، والابتسامة لا تفارق ثغره، وقد تكون إجابته لسائل عن مسألة وحوله جمع قليل أو كثير، وقد يكون على منبر مسجده يبلغ الناس الإسلام وتعاليمه، ويفصل الأحكام ويشرحها .. فينقل السامعون ما تلقوه إلى إخوانهم وذويهم ... فإن سمع وشاهد ووعى ستبقى آثار ما تلقاه واضحة جلية في نفسه أمدا طويلا، حتى إذا ما شك فيما سمع عاد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ليزيل وهمه، ويثبته على الصواب، ويرده إلى الحق.
وقد حرص الصحابة على مجالس الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأقبلوا على تلقي السنة وتطبيقها من قلوبهم صادقين مخلصين، بعد أن ذاقوا حلاوة الإيمان، وعرفوا عظمة الإسلام، ورأوا في القرآن المعجزة الكبرى والهداية العظمي، فامتلأت قلوبهم حبا لله ورسوله، وتفانوا في سبيل دينهم ومبادئهم وحماية قائدهم ومعلمهم، وأخبار بذلهم وفدائهم تكلل جبين التاريخ وتزينه، وإن التاريخ ليحفظ تلك المفاخر الخالدة من التضحيات العظيمة النادرة.
بهذه القلوب التي امتلأت بالإيمان، وبهذه الروح السامية والحيوية الدائمة أقدم الصحابة على تلقي العلم عن رسول الله الكريم، فكانوا يتعلمون من النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن الكريم آيات معدودات: يستفمون معناها، ويتعلمون فقهها، ويطبقونه على أنفسهم، ثم يحفظون غيرها، وفي هذا يقول أبو عبد الرحمن السلمي: «حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن - كعثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود وغيرهما - أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر آيات لم تجاوزوها حتى يتعلموا فيها من العلم والعمل .. قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا».
وكان الصحابة يحرصون على حضور مجالس رسول الله - صلى الله عليه
صفحه ۳۸