وقالوا: صدقنا. فقلنا نعم
فعاد تلميذه يحاوره وكأنه ذو هوى في تعظيم مذاهب الحكم عند هؤلاء العسكريين، وقال فيما قال: إن هؤلاء القوم لا يخضعون على كره منهم، ولكنهم يخضعون لأنهم يؤمنون إيمان الحاكمين ويفكرون تفكيرهم ويريدون مرادهم ويفرحون بعظمتهم كأنها عظمة لهم فيها نصيب، وكأنهم شركاء في السيادة حين يخضعون لأولئك السادة.
قال أبو العلاء:
وما أعجبتني لابن آدم شيمة
على كل حال من مسود وسائد
ذلك أدهى وأمر، وليتهم فكروا وخالفوا وخضعوا مرغمين، فذلك أكرم لعقل الإنسان وأدنى إلى الرجاء في الخلاص، أما أن يسلب الإنسان الفكر حتى لا يفكر إلا بأمر حاكميه وعلى وفاق الهوى من رؤسائه، فذاك آلة من الآلات وحيوان من العجماوات، وليس بآدمي له عقل، والعقل إمام للآدميين أولى بالاتباع من كل إمام. •••
قال أبو العلاء ذلك وزوى وجهه كأنه قطع القول وحسم الجدل، وقال ما لا رجعة فيه ولا مزيد عليه.
إلا أن التلميذ قد طاب له أن يسترسل في النقاش والسؤال فانثنى يقول: أولا تغفر الطاعة من الرعية حتى لو أفلح الرعاة في سياسة الأمور وشاهد الناس فلاحهم آنة بعد أخرى، فعلموا أنهم راشدون وأنهم لا يخطئون، وأن خطأهم آمن في عقباه من خطأ الكثيرين؟
فسأل أبو العلاء: من القائل :
يسوسون الأمور بغير عقل
صفحه نامشخص