أشخاص الرواية
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
أشخاص الرواية
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
صفحه نامشخص
أبطال المنصورة
أبطال المنصورة
تأليف
إبراهيم رمزي
للتاريخ
بقلم المؤلف
فبراير سنة 1939
هذه ثالث رواية وضعتها وكان ذلك في سنة 1915 مطاوعة لشعور ابتعثه هم المصريين يومئذ لتغيير القوم عاهليتهم بالرغم منهم، وإيقاظا لنفسية كاد يتلفها ما كانوا يلقونه من المذلة والعبث.
ولقد حاولت ما حاولت ليأذن الرقيب بتمثيلها فلم أفلح إلا في 1918، فقد تضافر موظفو قلم المطبوعات على رفضها والنيل مني ومنها عند رجال السلطة السياسية والعسكرية، فنالوا الحظوة لديهم كما أرادوا، وباءوا بعد ذلك بخزي من الله والوطن.
وأخيرا مثلتها فرقة الأستاذ عبد الرحمن رشدي لأول مرة في المنصورة، تكريما للمدينة التي حدثت فيها واقعة التاريخ الذي أدونه لأبطالها في هذه القصة بقلم التجلة والإكبار بعد أن دونوه لأنفسهم بأثلات السيوف والرماح، وجعلوا صحيفته نورا للمستنيرين في الحق والوطنية، بيد أنها كانت مرة واحدة مثلت فيها، ثم رأيت من واجبي أن أنقل حق تمثيلها إلى فرقة ترقية التمثيل العربي التي كانت في مجرى الإنشاء يومئذ فتولت إخراجها في دارها بحديقة الأزبكية وأحسنت تمثيلها، ولكن لم تكن هذه الدار حرة يومئذ في العمل؛ إذ كانت هناك عوامل تزيغ الدراما لتحل محلها الروايات الغنائية، فاختفت هذه الرواية من الجو المسرحي المحترف، وإن لم تختف من مسارح الجماعات الهاوية.
صفحه نامشخص
وإذ كان من واجبي أن أنوه بحسنات المحسنين، فبفضل زعيم مصر الاقتصادي العظيم محمد طلعت حرب باشا؛ لأنه قدر الرواية قدرها وغالى بها، وبفضل معالي الدكتور محمد حسين هيكل باشا، «وكان يومئذ مديرا لتحرير السياسة»؛ إذ عهدت إليه إدارة الشركة بقراءتها ودرسها، فأحسن الرأي فيها وأثنى واستحث على تمثيلها والاستزادة من أمثالها لتغذية الروح الوطنية في البلاد، وإمدادها بما هي في حاجة إليه من المثل والعظات. فلهما شكري ودعائي وتحيتي.
أشخاص الرواية
الفارس أقطاى:
نائب الأتابك.
الأمير جمال الدين محسن الكاظمي:
ناظر الخاص.
الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري:
أمير المماليك البحرية.
الأمير فخر الدين ابن شيخ الشيوخ:
أتابك جند مصر.
صفحه نامشخص
الكاتب سهيل:
كاتب شجرة الدر.
هبة الله
1 :
طبيب فرنسي الأصل ربي في مصر.
الشيخ برنار
1 :
صاحب عزبة بناحية فارسكور فرنسي الأصل.
الملك المعظم طوران شاه:
سلطان مصر بعد وفاة أبيه الصالح نجم الدين أيوب.
صفحه نامشخص
صبيح:
مولى طوران شاه وحارس سجن الملك لويس.
الملك لويس:
ملك فرنسا وقائد الصليبيين الأعلى.
الأمير دارتوا:
أخو الملك لويس.
الأمير بواتيه:
أخو الملك لويس.
مسعود
1 :
صفحه نامشخص
عبد بيبرس
الأميرة شجرة الدر:
امرأة السلطان الصالح نجم الدين أيوب.
الأميرة صفية
1 :
أخت شجرة الدر.
مريم، عائشة
1 :
فتاة تعيش في عزبة برنار.
الفصل الأول
صفحه نامشخص
المنظر
يزاح الستار عن دار في قصر السلطان الصالح أيوب على النيل في الجانب القبلي من مدينة المنصورة، وهو بناء عربي الطراز والتقسيم: إيوان ورحبة، أما الإيوان فواقع في مؤخر المرزح، والرحبة في مقدمته ويعلو عنها شبرا تقريبا، والإيوان نصف مثمن به ثلاثة أضلاع كاملة في مواجهة المشاهد، وهذه ذات شبابيك، أي: نوافذ فيها قضبان متعارضة، عليها من الداخل سجف «ذات فلقتين» من الديباج الثقيل إذ الوقت شتاء «10 ديسمبر
1
سنة 1249»، أما الضلعان الجانبيان فكل منهما نصف ضلع المثمن أو يزيد قليلا، وفي كل منهما باب قصير «أربع أذرع» مكفت بنقوش عربية من المعدن ... واحد إلى اليمين بالنسبة إلى المتفرج وهو مؤد إلى غرف السلطان وحرمه، وآخر مثله إلى اليسار هو مقطع كبار الدولة، أي: الباب الخاص الذي يحضر منه وينصرف كبار أمناء السلطان، وأمراء حرسه الخاص المعروفون برجال الحلقة، ومن هم في كرامة المنزلة مثلهم ... ويفصل الإيوان عن الرحبة عمد من الرخام، تعلوها بوائك موشحة بنقوش عربية ما بين البواكير «الأقواس». والبوائك الثلاث: اثنتان منهما صغيرتان هما الجانبيتان، وواحدة كبيرة «وتعلو نصف ذراع عما بجوارها» بين هاتين.
والمكان جميعه مفروش بأنفس البسط الطبرستانية «الفارسية»؛ إذ الوقت شتاء كما نبهنا، ونرى على أبوابه جميعا سجفا غير مسدلة بل مزاحة إلى الجانبين ما عدا باب حرم السلطان، وفي الإيوان مقاعد ووسائد فاخرة وضعت دوين النوافذ يعلو عليها في الصدر مقعد كبير يكون للسلطان عادة عند اجتماعه برجال ديوانه، ولكن الدار قد اتخذت تلك اليلة للنوبة، أي: حراسة السلطان وخدمته المستعجلة؛ لأنه مريض يئس الأطباء من شفائه؛ ولأن الفرنجة الفرنسيس - وكانت معهم فرقة إنجليزية - تحت إمرة
Longsword
وهو لورد
Salisbury
تحت إمرة الملك لويس التاسع المعروف في كتب التاريخ العربية باسم ري ديفرانس - أوروا دفرنس تعريب
Roi de France - قد عاودوا ضرب مصر لامتلاكها توطئة لاسترداد القدس، وإبادة علم الإسلام من الدنيا؛ «إذ كان هذا مأمول أوروبا في القرون الوسطى ومناط مجدهم وفخرهم»، وقد نزلوا البلاد واحتلوا دمياط «التي أخرجوا منها مدحورين أذلة قبل ذلك بثلاثين عاما على سيوف السلطان الكامل أبي السلطان الحالي، وباني مدينة المنصورة تخليدا ليوم نصره»، ويوشك جيشهم أن يزحف على المنصورة في طريقه إلى بابليون «مصر القديمة»، فالأمر يستوجب قرب أعيان الدولة مناوبة بجوار السلطان في كل وقت.
صفحه نامشخص
وإذ كانت العادة أن يتلهى أمراء النوبة في تلك الليالي بلعب الشطرنج وغيره، ويستعينوا على السهر بمذاكرة الشعر، ورواية أحاديث الدول، وتلاوة القرآن الكريم ومطالعة الحديث الشريف
2
فإن في المكان خزانة على شكل صندوق، إذا أقفل غطاؤه حسبته مقعدا ذا جانبين، وإذا رفع الغطاء وجدت فيه نسخا من أعيان الكتب المخطوطة في الشعر والتاريخ والقصص والفقه والتفسير وغير ذلك، وقد أتي بالخزانة في تلك الليلة من «دار الخاص»، ووضعت دوين الباب الأيسر الأعلى في الإيوان بميل وانحراف. وفي المكان في مقدمة المرزح دوين الباب الأيمن الأدنى ثلاث وسائد صغيرة ثمينة القيمة؛ اثنتان منهما إلى الأمام، وواحدة إلى الوراء بينهما على قيد ذراع منهما، وقد وضع بين الوسائد الثلاث دست، أي: صندوق صغير وضعت فوقه رقعة شطرنج، صفت عليها قطع من العاج والأبنوس المكفت بالفضة، وفي الدست درج ظاهر للمتفرج قد أخرج منه لتلقى فيه القطع المدحورة ساعة اللعب أو تحفظ فيه بعده.
أما الوسائد الثلاث فقد جلس على اليمنى منها الكاتب سهيل، مولى شجرة الدر امرأة السلطان وكاتم سرها، وهو فتى في الثلاثين من عمره لا لحية ولا شارب له؛ لأنه خصي، قد لبس كلوتة «طاقية مضربة» ظاهرها أطلس رومي أصفر اللون اعتم عليها على غير العادة بشاش من الحرير الإسكندري الأبيض، وعلى جسمه قياء بغلطاق «بلطو» من الحرير الأحمر الرومي، مسجف بفرو السنجاب، ومبطن بفرو ثمين، وقد تمنطق عليه بيند أبيض من الحرير، ويبدو من أسفل البغلطاق المذكور سراويل من الصوف الملطي «الجوخ» وفي رجليه خفان من الجلد الأسود البلغاري يلبسهما بخفين آخرين من الجلد الرقيق «أشبه بالمز أو هو بعينه» والخف الظاهر ذو رقبة عالية نوعا ما وتدخل فيها فتحة السراويل.
وسهيل هذا جالس يلاعب رجلا أمامه هو الأمير الكبير جمال الدين محسن الكاظمي ناظر الخاص «وهي أرقى مراتب الدولة يومئذ وأسماها»، وهو رجل في الأربعين من عمره بادن شيئا ما قد ارتدى كما ارتدى سهيل مع اختلاف في اللون؛ إذ كانت كل ثيابه بيضاء غير أنه قد توشح بحميلة تدلى منها سيف عربي مرصع القراب بشيء قليل من الجوهر، وقبضته مكفته بالذهب، وجلس على الوسادة الثالثة رجل يدل ارتفاع رأسه عن الآخرين على أنه مديد القامة
3
وهذا هو الفارس أقطاي، وهو رجل دوين الأربعين يبدو نحيف الجسم لطول قامته، له نظرات حادة مطمئنة تدل على الفروسية والاعتداد بالنفس، وهو أصفر شعر الشارب والرأس، وملابسه ملابس محسن إلا أن كلوتته من الصوف الأحمر وعمامته مفرعة إلى العلى، وكانت مرتبته إذ ذاك نائب الأتابك، أي: نائب القائد العام.
وإلى اليسار الأقصى بأدنى المرزح مقعد منخفض عليه وسادة ثمينة ومساند جلس عليه الأمير بيبرس البندقداري قائد المماليك البحرية المرابطين حول القصر، وهو يطالع في كتاب أمامه قد فتح على كرسي مجنح منبسط بديع النقش والتكفيت هو القرآن الكريم.
والأمير بيبرس هذا رجل فوق الثلاثين من العمر ربعة في الجسم بلا بدانة، أبيض الوجه مربعه، أزرق لون الحدقة، له نظرة الأسد في وقار وكرم، وفي إحدى عينيه كسرة في مؤخرها
3
صفحه نامشخص
تزيده في عين الناظر مهابة، وهو مرتد قباء «بغلطاق» من الحرير السميك السنجابي اللون عليه أزرار كبيرة من الذهب في سجفه وهو متمنطق بحياصة عريضة من الذهب علق على يسارها سيف عربي، أما كلوتته فهي من الحرير الأسود المضرب، وعمامته صغيرة مفرعة، وخفاه الخارجيان مثبت فيهما مهماز مكفت بالذهب مثل أقطاي.
وإذ يزاح الستار يرى رجل آتيا من الباب الأيسر الأعلى - مقطع العظماء - ماشيا الهوينا على إفريز الإيوان وراء الأعمدة، وفي يده رسالة يقرؤها ثم ينزلي الرحبة، وإذ يرى الخزانة أمامه مقفلة الغطاء يجلس عليها، ويستمر في القراءة، وهذا هو الأمير فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ أتابك الجند «القائد العام» ومدير الدولة في مرض السلطان، وملبسه في جملته مثل بيبرس إلا أنه أزرق اللون، وإذا نظر إليه الناظر وجده في الخمسين من عمره، ينم مجموعه على أنه نضو حروب، ظفر منها بمجد وعظمة جديرة به وبسالف محتده؛ إذ إنه سليل أمجاد وفرسان وقادة عظماء معروفين على مدى سبعة قرون،
4
ولكنه في صمته وقلة انشراح نفسه وعدم انقطاع نظره عن الرسالة التي بيده يشعر بأن ضميره مثقل بهم كبير.
والمكان مضاء بثريات عظيمة متعددة القناديل؛ واحدة في الإيوان، وثلاث في معاقد البوائك إلا أنها صغيرة، وأخرى كبيرة في وسط الرحبة يرى تحتها حامل مثمن الأضلاع، مصنوع باللقم والمخاريط الخشبية التي تصنع منها المشربيات عادة، وهو شبيه في جملته بكرسي العشاء في الأفراح عندنا.
التمثيل
سهيل (ناظرا إلى الرقعة يتناول رخ محسن ويلقيه في درج الدست) :
رخ (يلتفت إلى الفارس أقطاي)
كيف حالك يا أقطاي؟
أقطاي :
صفحه نامشخص
حال من يرى آماله يقصر ظلها. إن مرض السلطان يقلق بالي يا سهيل. أرأيت هبة الله الطبيب؟
سهيل :
أدخلته الليلة على السلطان فمرخه بمرهم ثم خرج ولم أره، وكنت أريد أن أتعرف منه حقيقة الحال.
أقطاي :
لعمري ما تنصفون إذ تدخلون هذا الطبيب على السلطان. أم نسيتم أنه ابن صليبي قتلناه؟
سهيل :
إنه طبيب القصر قبل أن أطرق القصر. ولقد عشت ما عشت فرأيته يدخل ويخرج بالليل والنهار غير مدافع ولا مستراب، ويتنقل مع السلطان وحاشية السلطان في الكرك ودمشق وحمص وحلب وفي كل مكان، فهل كان لي أن أمنعه اليوم من أن يكون كعهده بالأمس؟
محسن (يقدم الفرس) :
دونك هذا الفرس المطهم. وإذا أنصفت امتطيته وسرت به إلى شواطئ دمياط تجد هبة الله هناك.
سهيل (يضحك) :
صفحه نامشخص
ما شأني به هناك؟
محسن :
سله ماذا فعل مرهمه بمولاك؟ وأي خبر من أخبار القصر يحمله إلى أهله الأقدمين؟ وسله كذلك أين تنزل الأميرة صفية؟ (هنا يرفع بيبرس رأسه ويظل ينظر إليه، ويشرع فخر الدين جفنه إليه وهو يطل في الورقة)
فإذا وصلت إليها فاقرأ الفاتحة على روحها.
أقطاي :
وي! وي! وي! ما هذا؟
محسن :
أخبار بسيطة يا نائب الأتابك وفارس الفوارس،
4
كيف حالك اليوم؟
صفحه نامشخص
أقطاي :
عجبي! عجبي! من أوقع الأميرة صفية في أيدي الفرنسيس؟
محسن :
علمها عند هبة الله، إنه يقول: إنها كانت آتية من الشام فاعتقلها الفرنسيس في دمياط.
أقطاي :
ومن أين له علم بذلك إلا أن يكون له بمن اعتقلوها اتصال وثيق؟
محسن :
سل نسوة القصر عن ذلك. ألا تدري أنه خطب الأميرة إليهن غير مرة ثم خطبها إلى من هو أكبر منهن وأعلى؟
أقطاي :
خطب الأميرة صفية لنفسه!
صفحه نامشخص
محسن :
أجل. أتظن أنه يرى نفسه في القدر دونها؟ إنه يزعم أنه ملك غير متوج.
أقطاي :
ومتى كانت هذه الخطبة يا ترى؟
محسن :
ونحن في حمص.
أقطاي :
إلى أختها؟
محسن :
بل إلى السلطان نفسه.
صفحه نامشخص
أقطاي :
وماذا فعل السلطان؟
محسن :
ضحك وضحك وظنها مزحة، ولكني علمت أنه كان هائما بها من يوم ما حملها بيبرس من بادية بغداد، كما كان هائما منذ سبعة عشر عاما بفتاة كريمة كانت زهرة قصر الملك الكامل ودرته الناصعة، حتى لقد صارحها بحبه ذات يوم فلطمته على صدغه بنعلها لطمة أتلفت له ضرس العقل، وأطارت طائر الرشد من دماغه.
أقطاي (يضحك) :
ترى من كانت هذه الفتاة العظيمة؟
محسن :
ألا تعرفها؟
أقطاي :
كلا والله.
صفحه نامشخص
محسن :
هي التي بنيت بها أنت يا أقطاي.
أقطاي :
امراتي؟
محسن :
امرأتك بعينها.
أقطاي :
وي! وي! قبح الرجل! قبح! حقا إنه غير سليم، ولكن هل شرعتم تحققون نبأ الأميرة صفية؟ لعلها أكذوبة يشيعها الفرنسيس على ألسنة جواسيسهم لينالوا من ورائها مأربا، ألم تشرع مولاتنا شجرة الدر في ذلك؟
محسن :
مثل مولاتنا لا يهدئ هذا النبأ بالها، وقد كتبت إلى مرغريتا امرأة ريدافرانس تسألها وتستوسطها في إرسال أختها إليها إن كان الأمر صحيحا، وأهدت إليها شيئا كثيرا من درها الأسود النادر، فذهب الرسول ولم يعد وكأنه طمع فيما كان يحمل.
صفحه نامشخص
أقطاي (متعجبا) :
ومن كان هذا الرسول يا ترى؟
محسن :
تاجر من أهل البندقية تعرفه منذ كانت في بيت المستعصم ببغداد، أي: قبل أن تتزوج من مولأنا السلطان الصالح.
أقطاي :
تالله ما وثقت يوما بتاجر ولا رأيته فيمن يستحق كرامة. ولكن ماذا فعلت شجرة الدر؟
محسن :
لعمري لولا أن مرض السلطان يقعدها لذهبت هي نفسها تبحث عن أختها هذي. فما أنسى يوم جيء بها معنا إلى العراق كيف كانت تبكي على أمها وأبيها وتتوسل إلى بائع الرقيق أن يردها إلى خوارزم. والرجل يضحك مرة ويعبس أخرى ويهم يضربها أحيانا، ولا أنسى أيام اصطفاها السلطان زوجة له كيف أخذت تنبش الأرض عمن تخطفهم تجار الرقيق من أهلها إثر نكبة التركمان الكبرى، وماذا أنفقت من الأموال حتى جاءها بيبرس بأختها صفية هذي.
أقطاي :
لقد كان يوما مشهودا.
صفحه نامشخص
محسن :
بل لعمري إنها بالرغم مما هي فيه من نعمة تغبطها عليها الحور لتحن إلى خوارزم، وتئن كلما ذكرت أنها مقطوعة عن الأهل في هذه الدنيا، ولا سيما بعد إذ فجعت في خليل ولدها الذي رزقته من مولانا. كم مرة دخلت عليها الخدر
5
وهي تبكي لفراق أهلها وذكرى أمها فأبكتني معها.
أقطاي :
أحزنتني والله يا محسن، أيقظت بي ذكرى الأهل والوطن، لعمري إني لأحس في بعض الأحيان لهبا يندلع في فؤادي إذا تعرضت لي ذكريات الوطن.
محسن :
أشكر الله على نعمة الإسلام يا أقطاي، إنه جعل من أهله إخوة ومن أوطانه كلها وطنا لأهله.
أقطاي :
صدقت ولكن الإنسان يحب من الدنيا قطرا فبلدا، ومن البلد خطا فحارة، ومن الحارة زقاقا فبيتا، ومن البيت غرفة فزاوية، وإني لأتمنى أن أعود إلى هذه الزاوية من بيت أبي في خوارزم، أقضي بها بقية أيامي.
صفحه نامشخص
محسن :
احمد الله على حالك يا أقطاي، كنت وكان أعيان المماليك البحرية من أعيان خوارزم، فلما شتتنا المغول لم يشأ ربك أن ننزل في غير بيت المجد والإمارة والنعمة الفياضة، فقيض لنا مولانا الملك الصالح ففدانا واشترانا وأعزنا كأهله وأمرنا كما كان آباؤنا.
6
أقطاي :
إنها والله لنعمة كبرى لأبقى بشكرها أن نبذل أرواحنا في مدارج قدميه وقدمي أختنا ومولاتنا شجرة الدر فضلى نساء المسلمين. كان أجدر بك يا محسن أن تذكرها، إننا أهلها ومواليها وإننا نفديها من الشر بأرواحنا.
محسن :
إنها والله لتعرف ذلك وتعتز به، وترى أنها بخير ما دمتم. ولقد أقلق بالها اليوم أمر عصيب، فرأت أن تدعوكم للقائها.
أقطاي :
إني تلقيت الليلة رسالة منها، ولكن يدهشني منها أنها بخط السلطان.
محسن :
صفحه نامشخص
بخط السلطان! متى كان السلطان كاتب يد لامرأته! بل هل يستطيع السلطان الكتابة وهو على خطة؟
أقطاي :
لا أدري. (سكوت)
سهيل :
لعنة الله على هذا الفرس. (يرفع يده متضايقا، فيضحك أقطاي وينظر إلى الموقف) .
محسن (يضحك مقهقها) :
تقبله هبة مني يا سهيل.
سهيل :
هبة! والله لو كان لجامه من ذهب وكنبوشه مرصعا بالماس ما أخذته ... دونك هذا البيدق. (يقدم البيدق)
أقطاي (يعرض الرسالة التي جاءته من شجرة الدر على سهيل) :
صفحه نامشخص
أتعرف هذا الخط يا سهيل؟
سهيل (يأخذها منه وينظر فيها ويردها مسرعا بلا اكتراث وهو يبتسم ويعود فينظر إلى الرقعة) :
هذا خط السلطان.
أقطاي (بتعجب) :
خط السلطان! (يطوي الرسالة ويعيدها إلى حياصته) .
محسن :
قبح البيدق وصاحبه (يقدم قطعة من قطعه) .
أقطاي :
إياك والاستهانة بالصغير ... كم من بيدق فاز على ملك.
سهيل :
صفحه نامشخص