وكتب جريلي في صحيفته نيويورك تريبيون يدعو الرئيس إلى العمل، وكانت عبارته صارمة أخذ فيها على الرئيس تردده، واختتمها في لهجة أقرب إلى الأمر منها إلى الرجاء أن يعلن تحرير العبيد.
وأرجف المرجفون أن نابليون الثالث سوف يتدخل إلى جانب الجنوبيين، فإذا أعلن التحرير اكتسبت قضية الشماليين معنى يقدره أحرار أوروبا، وبهذا يحجم نابليون عن التدخل.
والرئيس يتدبر في هذا كله، ولكن المحافظة على الاتحاد ما زالت عنده أساس هذا الصراع القائم، ولو كانت جيوشه ظافرة لجازله على أن يقدم على هذا العمل، فكيف والفشل يلاحق الشماليين في كل جهة وماكليلان في موضعه لا يريد أن يتحرك؟
لذلك يؤثر الرئيس التريث والصبر، وكان يقول في نفسه دائما منذ أوائل تلك السنة الثانية: «ألا ليت ماكليلان يخطو خطوة نحو النصر ...» وكلما اشتدت الدعوة إلى التحرير اشتد تألم الرئيس من هذا القائد، الذي لا يريد أن يعمل شيئا إلا أن يطلب المزيد من الجند كما بينا.
وعجب الناس أن رأوا الرئيس يرد بنفسه على جريلي ، وذلك في صحيفته، ومما جاء في رد الرئيس قوله: «إذا كان في الناس من لا يحافظون على الوحدة إلا أن يحافظوا على الرق، فإني لست منهم، وإذا كان في الناس من لا يحافظون على الوحدة إلا أن يقضوا على الرق، فإني لست منهم؛ إن غرضي الأسمى هو أن أحفظ بناء الاتحاد وليس هو أن أحفظ العبودية أو أن أقضي عليها ... فإذا تسنى لي أن أنقذ الاتحاد دون أن أحرر عبدا واحدا فعلت ذلك، وإذا كان في وسعي أن أنقذه بتحرير جميع العبيد فعلت ذلك ... وإذا استطعت أن أحافظ عليه بتحرير بعض العبيد وترك البعض فعلت ذلك أيضا.»
الحق أن الرئيس لم يغفل يوما عن مسألة العبيد، ولم ينس ذلك النظام المنكر البغيض الذي نشأ على مقته وازدرائه، والذي طالما تمنى أن تنجو البلاد من آثامه، ولكنه كان يحرص ألا تفسد مسألة العبيد عليه قضية الحرب.
ولم يهمل الرئيس مسألة الرق كل الإهمال، وإنما سار فيها بقدر؛ ففي أوائل تلك السنة الثانية للحرب أرسل في السادس من شهر مارس إلى الكونجرس مقترحا، مؤداه أن يصدر ذلك المجلس قرارا به تعوض الولايات التي تقضي على الرق فيها تعويضا ماديا عادلا. وأصدر المجلس هذا القرار ولكن الولايات المحايدة عارضته ورفضته، وهي المقصودة به قبل غيرها. ودعا الرئيس ممثليها وحاول إقناعهم، ولكنهم لم يقتنعوا فمنيت الفكرة بالفشل، ولم يفد الرئيس إلا تعرضه لنقد هذه الولايات ولومها، ثم للوم دعاة التحرير من جهة أخرى؛ لأنهم رأوا في الفكرة ترددا وتقاعدا، وهم لا يقنعون بأقل من التحرير الكامل في غير تراجع أو تحفظ.
وفي شهر أبريل أصدر الكونجرس قرارا بتحرير العبيد في العاصمة وما حولها، ولما وقع لنكولن على هذا القرار قال: «عندما تقدمت باقتراح إلى الكونجرس سنة 1849 للقضاء على الرق في هذه العاصمة، ولم أكد أجد من يستمع إلى ذلك الاقتراح، لم أكن أحلم أنه سوف يتحقق بهذه السرعة.»
ودعا الرئيس ممثلي الولايات المحايدة إلى مؤتمر في آخر يوليو، وحاول أن يقنعهم بقبول التعويض، ولكنهم أعرضوا عنه وأصروا على عنادهم.
وظلت الدعوة إلى التحرير تشتد يوما بعد يوم، وظل الرئيس يتدبر ويقلب الأمر على وجوهه. ولقد كان من أجل مواهبه كما ذكرنا أنه كان يتبين الأمور على حقيقتها، مهما التوت عليه سبلها واختلطت وشائجها، ثم يسدد خطاه على هدى مما يرى دون أن تفوته صغيرة أو كبيرة مما تقع عليه عيناه.
صفحه نامشخص