ذكرته الكلمة بظمئه. كان من الغريب أنه، بعد أن ظل ظمآن لساعات طويلة، استطاع أن يتناسى ظمأه لفترة وجيزة. دخل إلى الحمام وملأ كوب فرش الأسنان، دون حتى أن يتكبد عناء شطفه، وأخذ يتجرع الماء البارد حتى امتلأت بطنه عن آخرها. ثم ملأ الكوب وعاد به إلى غرفة النوم. رفع رأس المرأة على ذراعه ووضع الكوب على شفتيها، فشربت بتعطش. انسال الماء على جانب وجهها وعلى سترتها الصوفية الرقيقة. كانت العروق الأرجوانية على جانبي جبهتها تنبض بشدة وكأنها على وشك أن تنفجر، وكانت عضلات عنقها مشدودة على آخرها كالأوتار. بعد أن انتهت أخذ قطعة من الملاءة ومسح بها فمها. ثم ملأ الكوب مرة أخرى وساعد زوجها على الشرب. شعر بتردد عجيب في أن يتركهما. كونه زائرا مؤذيا غير مرحب به، لم يستطع أن يصيغ عبارة وداع ملائمة.
عندما وصل إلى الباب التفت إليهما وقال: «أنا آسف لأني اضطررت لفعل ذلك. حاولا أن تحصلا على قسط من النوم. ستأتي السيدة كولينز في الصباح.»
تساءل إن كان قال ذلك ليطمئنهما أم ليطمئن نفسه. قال في نفسه: على الأقل هما معا.
ثم أضاف قائلا: «هل أنتما مرتاحان كفاية؟»
أدرك سخافة سؤاله ذلك بمجرد أن غادر شفتيه. مرتاحان ؟ كيف لهما أن يكونا مرتاحين وهما مقيدان كالحيوانات على سرير ضيق قد يسقطان من عليه إن أتيا بأي حركة. همست المرأة بشيء لم تستطع أذناه أن تلتقطه، لكن بدا أن زوجها فهمه. بصعوبة، رفع رأسه ونظر إلى عيني ثيو مباشرة فرأى ثيو في عينيه الباهتتين نظرة تستجدي تفهمه وعطفه.
قال: «تريد الذهاب للحمام؟»
كاد ثيو يضحك بصوت عال. وشعر بأنه طفل في الثامنة من عمره يسمع صوت أمه الضجر. «كان يجب أن تفكر في ذلك قبل أن ننطلق.» ما الرد الذي يتوقعانه منه؟ «كان يجب أن تفكرا بذلك قبل أن أكبلكما»؟ كان يجب أن يفكر أحدهما بذلك. لكن كان الأوان قد فات الآن. فقد أهدر الكثير من الوقت بالفعل عليهما. فكر في جوليان وميريام اللتين تنتظرانه في قلق شديد وهما مختبئتان في ظلال الأشجار تترقب أذناهما صوت كل سيارة تقترب وتصور خيبة أملهما عندما تمر بهما فلا تتوقف. كما أنه لا يزال أمامه مهام كثيرة تنتظره؛ يجب أن يفحص السيارة، ويجمع المؤن. سيستغرق حل تلك العقد الكثيرة عدة دقائق لا يملك أن يضيعها. سيكون عليها أن تظل مستلقية وسط فضلاتها حتى تصل السيدة كولينز في الصباح.
لكنه كان يعلم أنه لا يقدر على فعل ذلك بها. كانت تستلقي في خجل شديد مكبلة عاجزة تفوح منها رائحة الخوف، وعيناها كانتا تتحاشيان النظر إلى عينيه، وكان بيده أن يجنبها تلك الإهانة على الأقل. بدأت أصابعه تحل النسيج القطني المحكم. كان حله أصعب مما توقع، فأمسك بمقص الأظافر وقطع به قيودها محررا كاحليها ويديها، محاولا أن يتجنب النظر إلى الأثر الذي تركته القيود على معصميها. لم يكن إنزالها عن السرير سهلا كذلك، فجسدها الهش، الذي بدا له من قبل خفيفا كجسد عصفور، كان متيبسا من فرط الخوف. استغرقت دقيقة تقريبا حتى استطاعت أن تجر قدميها ببطء حتى المرحاض وهو يلف ذراعه حول خصرها ليسندها.
قال بصوت جعله التبرم والخجل غليظا: «لا تغلقي الباب. اتركيه مواربا.»
انتظر بالخارج محاولا أن يقاوم رغبته في أن يجوب الممر جيئة وذهابا، ودقات قلبه تسابق الثواني التي تحولت إلى دقائق قبل أن يسمع صوت مدفق المرحاض وتعاود هي الظهور ببطء. همست: «شكرا لك.»
صفحه نامشخص