كان قد توقع أن يجد أفراد الجماعة بانتظاره، واقفين أو جالسين معا في ذلك الخلاء الريفي المعتم. لكنه وجدهم قد تفرقوا وكان كل منهم يتمشى في جزء مختلف من الكنيسة وكأنما دفعهم إلى التفرق جدال ما أو حاجة ملحة إلى العزلة. كانوا أربعة، ثلاثة رجال وامرأة طويلة القامة وقفت بجوار المذبح. عندما دخل هو وجوليان، اقترب بعضهم من بعض بهدوء، وتجمعوا قبالته في الممر.
لم تواجهه أي صعوبة في تحديد أي منهم هو زوج جوليان وقائدهم حتى قبل أن يتقدم بترو ويقف في مواجهته. وقف كل منهما مواجها للآخر مثل غريمين يقيم كل منهما الآخر. لم يبتسم أي منهما أو يمد يده للمصافحة. كان ذا بشرة داكنة للغاية، ووجه وسيم متجهم نوعا ما، وحملت عيناه النبيهتان الغائرتان نظرات قلق وشك، وكان له حاجبان كثان ومستقيمان، كأنهما مرسومان بفرشاة رسم، يبرزان نتوء عظام وجنتيه. وتناثرت على جفنيه المرتخيين بضع شعرات سوداوات فبدا كأن حاجبيه ملتصقان برموشه. كانت أذناه كبيرتين وبارزتين، ولهما شحمتان ناتئتان، ولم تتماش الأذنان البارزتان مع فمه المطبق بعناد وفكه المشدود القوي. لم يكن وجهه وجه رجل متصالح مع نفسه أو مع عالمه، لكن لماذا يكون كذلك، وقد ولد قبل جيل الأوميجيين ببضع سنوات ففاتته الأفضلية والامتيازات التي يحظى بها أبناء ذلك الجيل؟ كان أبناء جيله، قد خضعوا كشأن جيلهم، للملاحظة والدراسة ودللوا، وأشبعت رغباتهم، في انتظار أن تأتي اللحظة التي يصيرون فيها ذكورا بالغين وينتجون الحيوانات المنوية الخصبة المرجوة. كان جيلا تهيأ للفشل، فقد كان أبناؤه أكبر خيبة أمل لوالديهم الذين أنجبوهم ولسائر الجنس البشري الذي كان قد تعهدهم بالكثير من الرعاية الخاصة ووضع فيهم أملا كبيرا.
عندما تكلم، كان صوته أعلى مما توقع ثيو، وبه نبرة خشنة وأثر لكنة غريبة لم يستطع تحديدها. دون أن ينتظر أن تقدم جوليان أحدهما للآخر، قال: «لا حاجة لك بمعرفة كنياتنا. سنكتفي بالأسماء الأولى فقط. أنا رولف ، قائد الجماعة. وجوليان هي زوجتي. هذه ميريام، وهذا لوك وهذا جاسكوين. جاسكوين هو اسمه الأول. اختاره له جده عام 1990 لسبب لا يعلمه إلا الله. كانت ميريام قابلة، ولوك قسا. لا حاجة لديك لأن تعرف وظيفة أي منا الحالية.»
كانت المرأة هي الوحيدة التي تقدمت وصافحت ثيو. كانت سوداء البشرة، جامايكية على الأرجح، وكانت أكبر أفراد الجماعة سنا، وخمن ثيو أنها تكبره هو أيضا، ربما كانت في منتصف أو أواخر الخمسينيات من عمرها. كان الشيب يتخلل شعرها القصير الكثيف ذا التجعيدات الضيقة. وكان التباين بين الأبيض والأسود صارخا حتى إن رأسها بدا كأنه مغطى بمسحوق مما أضفى عليها وقارا وأناقة. كانت طويلة القامة رشيقة البنية، ووجهها طويلا ذا ملامح منمقة، وبالكاد تظهر في بشرتها الداكنة أي خطوط تجاعيد، مما يتنافى مع شيب شعرها. كانت ترتدي بنطالا ضيقا أسود، وحذاء ذا رقبة طويلة أدخلت فيه طرفي بنطالها، وقميصا ذا رقبة عالية فوقه صدار من جلد الغنم، وتباينت ملابسها الأنيقة التي تكاد تكون غير تقليدية مع ملابس الرجال الثلاثة الخشنة التي تحتاج إلى الإصلاح. ألقت التحية على ثيو بمصافحة قوية ونظرة متمعنة تآمرية يشوبها شيء من الابتهاج، وكأنما صار بالفعل شريكها في المؤامرة.
للوهلة الأولى لم ير ما يلفت النظر في الفتى - فقد كان يبدو كفتى مع أن عمره حتما لا يقل عن الواحد والثلاثين - الذي يدعى جاسكوين. كان قصير القامة، يكاد يكون بدينا، ذا شعر قصير ووجه ودود مستدير، وعينين واسعتين وأنف أفطس. كان له وجه طفل كبر في السن لكن ملامحه لم تتبدل كثيرا منذ أن تطلع لأول مرة من عربة الأطفال إلى عالم رآه حينها غريبا وغير ودود كما يراه الآن حسبما يدل سمته الذي تغلب عليه البراءة المرتبكة.
كان الرجل الذي يدعى لوك، الذي تذكر أن جوليان أيضا كانت قد ذكرت أنه قس، أكبر سنا من جاسكوين؛ إذ كان، على الأرجح، قد تخطى الأربعين. كان طويل القامة، ذا وجه شاحب مرهف، وجسد نحيل، وتدلى كفاه اللذان تبرز عظامهما من رسغين نحيلين، وكأنما في طفولته نفدت قواه فلم يصل إلى كامل نضجه. كان شعره الأشقر ينسدل على جبينه العالي مثل قصة حريرية، وعيناه الرماديتان متباعدتين وهادئتين. كان لا يبدو شريكا لهم في التآمر؛ فقد كان ثمة تباين ملحوظ بين رقته البادية وملامح رولف السمراء الذكورية. ابتسم لثيو ابتسامة سريعة أحدثت تحولا في ملامحه التي يشوبها شيء من الحزن، لكنه لم يقل شيئا.
قال رولف: «لقد شرحت لك جوليان لم وافقنا على مقابلتك.» جعل الأمر يبدو وكأنما كان ثيو هو من توسل لمقابلتهم. «تريدونني أن أستخدم نفوذي للتأثير على حاكم إنجلترا. يتعين علي أن أخبركم أني لا أملك أي نفوذ. فقد تخليت عن أي من ذلك عندما تركت منصبي بصفتي مستشارا له. سأسمع ما تودون قوله لكني لا أظن أني أملك أي طريقة للتأثير على المجلس أو على حاكم إنجلترا. فلم يكن ذلك ممكنا يوما. وذلك كان أحد أسباب استقالتي.»
قال رولف: «لكنك ابن خالته، وقريبه الوحيد الذي لا يزال على قيد الحياة. وقد تربيتما معا نوعا ما. وتقول الشائعات إنك الشخص الوحيد في إنجلترا الذي استمع لرأيه.»
قال ثيو: «إذن، الشائعات غير صحيحة.» ثم أضاف قائلا: «ثم ما طبيعة جماعتكم تلك؟ هل تجرون اجتماعاتكم دائما في هذه الكنيسة؟ هل أنتم جماعة دينية؟»
كانت مريام هي من أجابت. قالت: «لا، كما أوضح رولف، لوك قس، لكنه لا يعمل بدوام كامل ولا ينتمي لأبرشية. هو وجوليان يدينان بالمسيحية، أما بقيتنا فلا ندين بها. نحن نتقابل في الكنائس لأنها متاحة ومفتوحة ومجانية وعادة ما تكون خاوية، على الأقل الكنائس التي نختارها تكون كذلك. قد نضطر للتخلي عن تلك الكنيسة، فقد بدأ أناس آخرون يرتادونها.»
صفحه نامشخص