A Treatise on the Lawfulness of Selling Dogs
رسالة في حكم ثمن الكلاب
ناشر
دار اللؤلؤة للنشر والتوزيع
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
٢٠١٨ م
محل انتشار
المنصورة - مصر
ژانرها
رسالة في حكم ثمن الكلاب
(بيع الكلب-تغريم قاتل الكلب ثمنه-إجارة الكلب-
ثمن تدريب الكلب-ثمن علاج الكلب)
تأليف
أحمد بن عوض
راجعه وقدم له فضيلة الشيخ/ مصطفى بن العدوي
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وبعد:
فهذا بحث موجز في حكم بيع الكلاب، وبعض توابع ذلك،
أعدّه أخي في الله/ أحمد بن عوض-حفظه الله-
وقد اعتنى فيه بالناحيتين: الحديثية، والفقهية على السواء،
فخرّج الأحاديث، والآثار، وحكم على كل بما يستحق،
وأورد أقوال أئمة الفقه في هذا الصدد، فضلًا
1 / 3
عن إيراده الآثار عن الصحابة، والتابعين، وأتباع التابعين في هذا الصدد، وحكم عليها-كما أشرت سابقًا-بما تستحق مع تخريجها.
وقد راجعت معه عمله فألفيته-ولله الحمد-نافعًا،
فجزاه الله خيرًا على ما صنع وزاده الله توفيقًا،
وصل اللهمّ على نبينا محمد وسلم
والحمد لله رب العالمين.
كتبه/ أبو عبد الله مصطفى بن العدوي
1 / 4
مقدمة المؤلف:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذه رسالة، جمعت فيها ما ورد من الكتاب، والسنة في حكم بيع الكلاب، ثم أردفت ذلك بأقوال الصحابة، والتابعين، وأقوال أصحاب المذاهب الأربعة، وغيرهم، وبينت فيها كل قول، وبما استدل، ووجه الاستدلال، وكيف ردَّ على المخالف في استدلاله، وتكلمت فيها على الأحاديث، والآثار، صحة، وضعفًا، ونقلت كل قول من مصدره.
وقد عرضت ذلك على شيخنا مصطفى بن العدوي-حفظه الله، وبارك في علمه وعمله
1 / 5
وعمره وذريته-، فراجعه مشكورًا.
فجزاه الله عني وعن طلبة العلم خير الجزاء على ما يبذله من نصح، وجهد، ووقت.
هذا والحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين.
كتبه/
أحمد بن عوض
1 / 6
أقوال العلماء في حكم بيع الكلاب إجمالًا.
اختلف العلماء في هذه المسألة على خمسة أقوال:
القول الأول: لا يجوز بيع الكلب مطلقًا، مُعلمًا كان، أو غير مُعَّلَم.
القول الثاني: يجوز بيع الكلب مُطلقًا.
القول الثالث: يجوز شراء كلاب الصيد دون بيعها.
القول الرابع: يجوز شراء وبيع الكلاب المأذون في اتخاذها.
القول الخامس: يجوز بيع الكلب المعلم.
1 / 7
ويمكن أن تقسم إلى قولين رئيسين:
قول بجواز بيع الكلب، وقول بعدم الجواز.
ولكن فصلت القول فيها؛ كي أنسب إلى كل عالم قولَه، ولا نزيد على كلامِه، وإليك أقوالَهم بالتفصيل.
1 / 8
القول الأول: لا يجوز بيع الكلاب مطلقًا، (مُعلمًا، أو غير مُعَّلَم).
وهو قول: مالك في المشهور عنه وصححه ابن عبد البر، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم، وغيرهم (^١).
أدلتهم:
١. عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ ﵁: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ، وَمَهْرِ البَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الكَاهِنِ» (^٢).
_________
(^١) سيأتي ذكر أقوالهم بالتفصيل بعد ذكر الأدلة.
(^٢) متفق عليه: البخاري (٢٢٨٢)، مسلم (١٥٦٧).
1 / 9
٢. عن عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ ﵁، قَالَ: رَأَيْتُ أَبِي اشْتَرَى حَجَّامًا، فَأَمَرَ بِمَحَاجِمِهِ، فَكُسِرَتْ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ، وَثَمَنِ الكَلْبِ، وَكَسْبِ الأَمَةِ، وَلَعَنَ الوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَةَ، وَآكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَلَعَنَ المُصَوِّرَ» (^١).
٣. عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ﵁، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ، يَقُولُ: «شَرُّ الْكَسْبِ مَهْرُ الْبَغِيِّ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ» (^٢).
٤. عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ؟ … قَالَ: «زَجَرَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ
_________
(^١) صحيح: أخرجه البخاري (٢٢٣٨).
(^٢) صحيح: مسلم (١٥٦٨).
1 / 10
ذَلِكَ» (^١).
٥. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ، وَعَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَعَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ» (^٢).
_________
(^١) أخرجه مسلم (١٥٦٩) من طريق معقل بن عبيد الله الجزري، عن أبي الزبير، به.
ولكن روايات معقل عن أبي الزبير متكلم فيها، فقد قال ابن رجب: "كان أحمد يضعف حديثه عن أبي الزبير خاصة ويقول: (يشبه حديثه حديث ابن لهيعة). ومن أراد حقيقة الوقوف على ذلك فلينظر إلى أحاديثه عن أبي الزبير، فإنه يجدها عند ابن لهيعة يرويها عن أبي الزبير كما يرويها معقل سواء". شرح علل الترمذي (ت همام ٢/ ٧٩٣). وانظر أيضًا جامع العلوم والحكم (ت الأرنؤوط ٢/ ٤٥٣).
(^٢) حسن: أخرجه أحمد (٧٩٧٦)، والنسائي (٤٦٧٣).
1 / 11
٦. عن ابْنِ عَبَّاسٍ ﵁، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمِ الشُّحُومُ، فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا، وَإِنَّ اللَّهَ ﷿ إِذَا حَرَّمَ أَكْلَ شَيْءٍ، حَرَّمَ ثَمَنَهُ» (^١).
٧. عَنْ عَلِيٍّ ﵁: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ» (^٢).
٨. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ﵄، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَإِنْ جَاءَ يَطْلُبُ ثَمَنَ الْكَلْبِ، فَامْلَأْ كَفَّهُ تُرَابًا» (^٣).
_________
(^١) حسن: أخرجه أحمد (٢٦٧٨)، وأبو داود (٣٤٨٨).
(^٢) حسن بشواهده: أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٥٦٨٢).
(^٣) أخرجه أحمد (٣٢٧٣)، وأبو داود (٣٤٨٢). وفي سنده قيس بن حبتر: وثقه النسائي، وذكره ابن حبان في (الثقات)، وروى عنه (زفر العجلي، وعبد الكريم بن مالك الجزري، وعلي بن بذيمة، وغالب بن عباد)، ولكن قال الشيخ مصطفى العدوي-حفظه الله-: كثيرا ما ينفرد النسائي عن العلماء المشاهير بالتوثيق لبعض الرواة، وليسوا بالمشهورين، فيتحفظ على توثيقه، والله أعلم.
1 / 12
٩. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا يَحِلُّ ثَمَنُ الْكَلْبِ، وَلَا حُلْوَانُ الْكَاهِنِ، وَلَا مَهْرُ الْبَغِيِّ» (^١).
١٠. عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ: «نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَإِنْ كَانَ ضَارِيًا» (^٢).
_________
(^١) ضعيف: أخرجه أبو داود (٣٤٨٤)، والنسائي (٤٢٩٣)، وأبو عوانة (٥٢٧٣)،
وفي سنده معروف بن سويد: وهو ضعيف.
(^٢) ضعيف: أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٥٦٨٦)، وفي سنده ابن لهيعة، وهو ضعيف.
1 / 13
• وقال بذلك القول من الصحابة والتابعين:
١. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، قال: «ثَمَنُ الْكَلْبِ سُحْتٌ» (^١).
٢. عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَكَمَ، وَحَمَّادًا «يَكْرَهَانِ ثَمَنَ الْكَلْبِ» (^٢).
٣. عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قال: «مَا أُبَالِي ثَمَنَ كَلْبٍ أَكَلْتُ، أَوْ ثَمَنَ خِنْزِيرٍ» (^٣).
٤. عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: «أَخْبَثُ
_________
(^١) ضعيف: أخرجه ابن أبي شيبة في (مصنفه ٢٠٩٠٦)، وفي سنده: سعيد مولى خليفة، ولم يوثقه معتبر، إنما ذكره ابن حبان في "الثقات"، على عادته في توثيق المجاهيل.
(^٢) صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في (مصنفه ٢٠٩١٥).
(^٣) حسن: أخرجه ابن أبي شيبة في (مصنفه ٢٠٩١٤).
1 / 14
الْكَسْبِ كَسْبُ الزَّمَّارَةِ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ» (^١).
• واستدلوا بالقياس: على الخنْزير بجامع حرمة الاقتناء في غير حال الحاجة (^٢).
• ووجه الاستدلال بالأحاديث السابقة:
أن النهى عن ثمن الكلب مطلق، يشمل المعلم، وغير المعلم، وما يجوز اقتناؤه، وما لا يجوز، فمن قيده بالكلب غير المعلم، أو الكلب الذي لا يجوز اقتناؤه، فعليه الدليل المخصص لهذا الإطلاق (^٣).
_________
(^١) رجاله ثقات إلا أشعث لا أدري من هو: أخرجه ابن أبي شيبة في (مصنفه ٢٠٩١٣).
(^٢) البيوع المحرمة والمنهي عنها صـ ١٨٢، رسالة دكتوراه لعبد الناصر بن خضر ميلاد.
(^٣) المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (٣/ ٤٢١).
1 / 15
ولأنه حيوان نجس، فلم يجز بيعه كالخنزير (^١).
ونوقشت هذه الأدلة بما يأتي:
أ - أن هذه الأحاديث منسوخة؛ فإنها كانت عند الأمر بقتل الكلاب؛ حيث لم تكن في الكلاب منفعة مباحة، ولما نسخ الأمر بقتل الكلاب، وجاء الأمر بإباحة الاقتناء لبعضها، ثبت أن أحاديث النهي منسوخة.
ب-أن قرن ثمن الكلب، مع مهر البغي، وحلوان الكاهن، لا يدل على أن حكمهما واحد، فهذه دلالة اقتران، وهي ضعيفة (^٢).
_________
(^١) المجموع شرح المهذب (٩/ ٢٢٩).
(^٢) عارضة الأحوذي (٥/ ٤٢)، وسيأتي بيان الأدلة والرد عليها في القول الثاني.
1 / 16
وأجيب عليه:
١. أن الرخصة في كلب الصيد، والغنم، وقعت بعد الأمر بقتل الكلاب، فالكلب الذي أذن رسول الله ﷺ في اقتنائه، هو الذي حرم ثمنه، وأخبر أنه خبيث، دون الكلب الذي أمر بقتله، فإن المأمور بقتله غير مستبقى، حتى تحتاج الأمة إلى بيان حكم ثمنه، ولم تجر العادة ببيعه، وشرائه، بخلاف الكلب المأذون في اقتنائه، فإن الحاجة داعية إلى بيان حكم ثمنه، أولى من حاجتهم إلى بيان ما لم تجر عادتهم ببيعه، بل قد أمروا بقتله كما في حديث ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ، أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ»، فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: «أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ»، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «إِنَّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ
1 / 17
زَرْعًا» (^١)، وكما في حديث ابْنِ الْمُغَفَّلِ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلَابِ؟»، ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ، وَكَلْبِ الْغَنَمِ (^٢)، (^٣).
٢. والاستدلال بالنهي أولى لأن الأصل في النهي التحريم، وأما دلالة الاقتران فهي دلالة ضعيفة، ولذلك قرن الرسول ﷺ النهي عن ثمن الكلب بالنهي عن كسب الحجام، والأول حرام، والثاني مكروه (^٤).
_________
(^١) متفق عليه: البخاري (٣٣٢٣)، مسلم (١٥٧١) واللفظ له.
(^٢) صحيح: مسلم (١٥٧٣).
(^٣) زاد المعاد في هدي خير العباد (٥/ ٧٠١).
(^٤) المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (٣/ ٤٢٢).
1 / 18
أقوال أهل العلم بالتفصيل
أولًا: المالكية:
قال مالك ﵀: "أكره ثمن الكلب الضاري، وغير الضاري؛ لنهي رسول الله ﷺ عن ثمن الكلب" (^١).
وقال سحنون لابن القاسم: "أرأيت الكلاب، هل يجيز مالك بيعها؟
قال مالك: لا يجوز بيعها" (^٢).
وقال ابن رشد الجد ﵀: "المعلوم من قول
_________
(^١) موطأ مالك (١٩١٩) تحقيق بشار.
(^٢) المدونة (١/ ٥١١).
1 / 19
ابن القاسم، وروايته عن مالك: أنه لا يجوز بيع الكلب، وإن كان من الكلاب المأذون في اتخاذها للصيد، والضرع، والحرث، على ظاهر قول النبي ﷺ في نهيه عن ثمن الكلب عمومًا، لم يخص فيه كلبا من كلب، ويقوي ذلك ما روي عن ابن عمر ﵁: «أن رسول الله ﷺ نهى عن ثمن الكلب، وإن كان ضاريًا» " (^١).
وقال ابن عبد البر ﵀: "وكل ما جاز أكل لحمه جاز شراؤه، وبيعه، وما لا يجوز أكل لحمه ينقسم قسمين: أحدهما: مما ينتفع به، وهو حي، والآخر لا منفعة فيه، فكل ما فيه منفعة الركوب، والزينة، والصيد، وغير ذلك، مما ينتفع به
_________
(^١) البيان والتحصيل (٨/ ٨٢).
1 / 20
الآدميون، جاز بيعه وشراؤه إلا الكلب وحده؛ لنهي رسول الله ﷺ عن ثمن الكلب، وقد قيل في كلب الصيد، والماشية، انه جائز بيعه، وروي ذلك أيضًا عن مالك، والأول تحصيل مذهبه، وهو الصحيح إن شاء الله" (^١).
ثانيًا: الشافعية:
قال الشافعي ﵀: "وبهذا نقول لا يحل للكلب ثمن بحال" (^٢).
وقال النووي ﵀: "وأما النهي عن ثمن الكلب، وكونه من شر الكسب، وكونه خبيثًا، فيدل على
_________
(^١) الكافي في فقه أهل المدينة (٢/ ٦٧٤)، وللمزيد، انظر غير مأمور: شرح التلقين (٢/ ٤٢٩)، مواهب الجليل (٤/ ٢٦٧).
(^٢) الأم (٣/ ١١).
1 / 21