63
العسكر.
وصل زربة ورفاقه الصحراء صباحا، فكروا أن الحرس لن يمروا في مثل هذا الوقت. مشوا فيها قليلا فشاهدوا دورية حرس الحدود تقترب باتجاههم، فأيقنوا بفشل مهمتهم وتخيلوا السجن أمام أعينهم. انبطحوا أرضا، أسرع زربة يحفر بالمجرفة وغطاؤهم مع القات بالرمل، ثم غطى نفسه. مرت الدورية بقربهم فلم تشاهد إلا كثبانا رملية صغيرة وابتعدت عنهم، لكنها ظلت تحوم حول المنطقة؛ فهم متأكدون أنهم شاهدوا المهربين. وقفت السيارة واعتلى أحد الجنود تلا صغيرا، ووقف هناك ينظر حوله بالمنظار. هتف لأصحابه: بلعتهم الصحراء! - أظنهم مهربي القات، خسرنا صفقة كبيرة.
لم يستطع المسعودي والمدحجي البقاء كثيرا تحت الرمل، فتحركا من مكانهما، همس زربة: اصبروا إن الله مع الصابرين.
فضحكوا وهم في ظرف عصيب.
ابتعدت الدورية، فتنفسوا الصعداء. نهضوا من تحت الرمال كموتى خرجوا من قبورهم، وراحوا ينظفون: أنوفهم، آذانهم، شعرهم، ويتمضمضون بالماء الحار، أما القات فلم يضره شيء كانت أوراق ولحا الموز عليه بردا وسلاما. حمدوا الله على نجاتهم من الصحراء والجنود وأسرعوا يحثون الخطا، إلى أن وصلوا دار معسر العسيري. لم يجدوه في استقبالهم، كان في الدار امرأة في الستين من العمر لم تتعرف عليهم فقد امتزج عرقهم بالرمال وكان منظرهم منفرا ومضحكا. قال لها المسعودي: كيف حالك يا عمة موزة؟ أنا سعيد المسعودي.
ضحكت على حالهم وأدخلتهم الدار ثم تواصلت مع معسر. أقبل بعد نصف ساعة، ضحك حين شاهدهم على ذلك الحال وراح يعد لهم الحمام ليغتسلوا. حكى له المسعودي عما جرى لهم في رحلتهم. قال معسر لهم: أستقبلكم أنا عادة قبل الظهيرة، وحين تأخرتم عن ميعادكم، اعتقدت أنه قبض عليكم، فتواصلت مع الصراري وأخبرته عن تأخركم.
قدم لهم معسر الغداء، فأكلوا وجبتهم وانتظروا حتى الغروب وعادوا ليلا ...
22
ذات يوم ذهب زربة ظهرا مع أحمد المداح ليمضغا القات في بيته، أعدت لهما زوجته زينب المداعة. حين قدمتها ابتسمت فبانت أسنانها الصفراء، عرف زربة أنها تلتقم الشمة البيضاء تحت لسانها. أخرج زربة كيس الشمة من جيبه، ووضع قليلا منها تحت شفته العليا، فأثناء مضغ القات لا توضع إلا هناك. دخن زربة المداعة وراح يخبر أحمد عما جرى له في الرحلتين السابقتين، وبدوره أحمد أخبره عن سير العمل في الجمرك وما يجري في دهاليزه الخفية. سأل زربة: ليش ما فيش معك عيال؟
Página desconocida