فقال الرجل ولم تكن تعوزه الجرأة: أخونا الفاضل جعدة .
فصاحت به بصوت مخيف: حذار يابن اللئيمة .. لو بلغتك يدي شطرتك اثنين.
ولم يتعام الرجل عن الخطر الماثل أمامه فقال مستعطفا: قلت: إني ضيف يا معلمة، والضيف لا يهان. ثم إني لم أعرض بجعدة إلا بعد أن ثبت لي ازدراؤك له، وانهيالك عليه بالضرب لأتفه الأسباب. - جعدة هذا ظفره برقبتك!
فقال زيطة محتجا: ظفرك أنت بألف رقبة كرقبتي؛ أما جعدة ... - أتحسب أنك خير من جعدة؟!
فلاح الانزعاج في وجه زيطة وفغر فاه دهشة، لا لأنه - في حسبانه - خير من جعدة فحسب؛ ولكن لأنه كان يعتقد أن مجرد مقارنته به سبة لا تغتفر، فأين هذا الحيوان الأعجم من شخص مقتدر مثله، يعد بحق ملكا على دنيا برمتها أيا كانت هذه الدنيا؟ وسألها بدهشة: ماذا ترين أنت يا معلمة؟
فقالت حسنية بتحد وازدراء: أرى أن ظفره برقبتك. - هذا الحيوان؟!
فهتفت بصوت فظ: هذا رجل ولا كل الرجال يا وجه العفريت. - هذا المخلوق الذي تعاملينه كما تعامل الكلاب الضالة؟
وأدركت المرأة في كلامه حنقا وغيرة، فراقها ذلك على انفعالها، وعدلت عن ضربه بعد أن حدثتها نفسها به، وراحت تقول كأنما لتضاعف حنقه وغيرته: هذا شيء لا تفهمه، وما أجدر أن تموت حسرة على لكمة مما يصيبه.
فقال زيطة حانقا: لعل الضرب شرف لا أدركه! - شرف لا تطمح إليه يا عشير الديدان.
وتفكر زيطة مليا، ترى هل تطيب لها معاشرة هذا الحيوان حقا؟ وقد طالما طرح هذا السؤال على نفسه، ولكنه كان يأبى أن يصدق هذا. إن المرأة لا تملك أن تقول غير ما قالت، ولكنها تبطن شيئا آخر بلا جدال. ورمق بنيانها الضخم المكتنز بعين نارية، فازداد إباء وعنادا، ونشط خياله بارعا مجنونا فصور له المستقبل في ألوان زاهية، وأوحى له خلو المكان بتخيلات محمومة، فلمعت عيناه المخيفتان .. أما حسنية الفرانة فقد استلذت غيرته، ولم يقلقها انفراده بها لعظيم ثقتها بقوتها، فقالت في تهكم: حتى أنت يا تراب الأرض .. استخرج جسمك من التراب الذي يغطيه أولا، ثم كلم الناس بعد ذلك.
Página desconocida