فقالت المرأة ببساطة: هذا قليل من كثير، وما مرتب الموظف إلا بعض رزقه، وبالحذق والشطارة يستطيع أن يربح أضعافه، ولا تنسي علاوة الغلاء، وعلاوة الزواج، ثم علاوة الأطفال.
فضحكت الست ضحكة عصبية وصاحت: سامحك الله يا ست أم حميدة، ما لي أنا والأطفال؟! - ربك قادر على كل شيء. - نحمده ونشكر فضله على أي حال. - أما عمره فثلاثون عاما.
فصاحت الست في إنكار: رباه! أكبره بعشرة أعوام!
ولم يخف على المرأة أنها تناست عشرة أعوام من عمرها، ولكنها قالت في لهجة تنم عن العتاب: لا زلت شابة يا ست سنية! ومع ذلك فقد صارحته بأنك في الأربعين ووافق مسرورا. - أرضي حقا؟! .. ما اسمه؟! - أحمد أفندي طلبة، من أهل الخرنفش، وابن الحاج طلبة عيسى صاحب المقلة بأم الغلام، أسرة طيبة تنحدر من صلب سيدنا الحسين. - أسرة طيبة حقا، وأنا شريفة أيضا كما تعلمين يا ست أم حميدة. - أعلم هذا يا حبيبتي، وهو لا يتحرى إلا الأخلاق الطيبة، ولولا هذا لتزوج من عهد طويل، ولكنه يزدري بنات اليوم وينقم عليهن قلة الحياء، ولما أن حدثته عن أخلاقك واحتشامك، وقلت له: إنك سيدة شريفة وصاحبة قرش، سر سرورا لا مزيد عليه، وقال لي: هذه طلبتي، بيد أنه سألني شيئا واحدا لا يخرج عن حدود الأدب، وهو أن يرى صورتك!
فتورد الوجه النحيل، وقالت بإشفاق: والله ما صورت منذ أمد بعيد! - أليس لديك صورة قديمة؟
فأومأت الست إلى صورة على منضدة وسط الحجرة دون أن تنبس بكلمة، فانحنت المرأة قليلا وتناولتها بيدها ونظرت فيها متفحصة. كانت صورة يرجع تاريخها إلى ما قبل ستة أعوام، وكانت صاحبتها وقتذاك على شيء من الامتلاء والحياة، فرددت المرأة بصرها بين الصورة والأصل، ثم قالت جازمة: طبق الأصل، كأنها صورت بالأمس القريب.
فتهدج صوت المرأة وهي تقول: الله يحلي دنياك.
وأودعت جيبها الصورة بإطارها، وأشعلت سيجارة أخرى قدمت لها، ثم قالت بلهجة رزينة: ولقد تحدثنا طويلا فعرفت أمورا عما في مرجوه.
ولحظتها الست بنظرة حذرة لأول مرة، وانتظرت أن تواصل حديثها، فلما أن طال الصمت، سألتها مبتسمة ابتسامة باهتة: ترى ماذا في مرجوه؟
أتجهل حقا أم تظنه يريد الزواج منها حبا في سواد عينيها؟ واغتاظت المرأة قليلا؛ بيد أنها قالت بهدوء وبصوت منخفض قليلا: أظن ليس لديك مانع من إعداد جهازك بنفسك؟!
Página desconocida