وكان المعلم «كرشة» لا يزال ملازما مكانه - الذي باشر فيه المعركة - فتنبه إلى فرار فتاه، وقطب في عناد، وبدا أنه يريد اللحاق به؛ ولكن السيد رضوان - وكان غير بعيد عنه - وضع يده على كتفه وقال بهدوء: اقعد يا معلم واسترح.
فنفخ مغيظا محنقا، وتراجع متثاقلا وهو يخاطب نفسه في حقد شديد: لبؤة، فاجرة؛ ولكن الحق علي، أنا أستاهل أكثر من هذا، مغفل من لا يبيت امرأته بالعصا.
وعلا صوت عم كامل وهو يقول: وحدوا الله يا هوه.
وارتمى المعلم كرشة على مقعده، ثم أخذه الغضب كرة أخرى، فثارت ثائرته، وراح يضرب جبهته بكف غليظة قاسية صائحا: أنا في الأصل مجرم قاتل، وجميع هذا الحي عرفني مجرما يرتوي بالدماء. أنا مجرم، أنا ابن كلب، أنا وحش، ولكني أستاهل كل إهانة؛ لأني تبت بمحض إرادتي عن الشر. (ورفع رأسه) انتظريني يا مرة يا وسخة، ستلقين الليلة كرشة الزمان الأول.
وصفق السيد رضوان بيديه وهو يتربع على الأريكة وخاطب المعلم قائلا: وحد الله يا معلم كرشة، نريد أن نشرب الشاي في هدوء!
ومال البوشي على أذن عباس الحلو وهمس قائلا: لا بد أن نصلح بينهما.
فسأله الحلو بخبث: بين من ومن؟
فكتم الدكتور ضحكة فخرجت من أنفه ريحا كالفحيح، وقال: أتظنه يعود إلى القهوة وقد حصل ما حصل؟
فمط الحلو بوزه وقال: إن لم يعد هو جاء غيره!
ثم شمل القهوة جوها المألوف، وعاد القوم إلى ما كانوا فيه من لعب وسمر، وكادت تنسى المعركة وتذهب آثارها، لولا أن هاج المعلم كرشة مرة أخرى، وصاح مرعدا كالوحوش الضارية: لا لا .. لا يمكن أن أذعن لإرادة امرأة. أنا رجل حر، أفعل ما أشاء، لتترك البيت إذا شاءت، ولتتسكع مع الشحاذين، أنا مجرم .. أنا من آكلي لحوم البشر.
Página desconocida