ولم تكن الأم في الواقع يداخلها خوف على الفتاة من البوار، ولا تشك في جمالها، ولكنها كانت كثيرا ما تثور بعجبها وغرورها. فقالت باستياء: لا تسلقي الزقاق بلسانك، إن أهله سادة الدنيا! - سادة دنياك أنت، كلهم كعدمهم، اللهم إلا واحدا به رمق جعلتموه أخي!
وكانت تعني حسين كرشة أخاها بالرضاعة؛ فهال أمها الأمر وقالت بلهجة انتقاد واستياء: كيف تقولين هذا؟ ما جعلناه أخا، وما نملك أن نصنع أخا ولا أختا، ولكنه أخوك بالرضاعة كما أمر الله!
فغلبتها روح المجون وقالت عابثة: ألا يجوز أن يكون قد رضع من ثدي، ورضعت أنا من الآخر؟
فلكمتها أمها في ظهرها وصاحت بها: قاتلك الله!
فغمغمت الفتاة بازدراء: زقاق العدم! - أنت تستحقين موظفا قد الدنيا! - فتساءلت بتحد: هل الموظف إله؟
فتنهدت الأم قائلة: آه لو تخففين من غلوائك!
فقلدت لهجة أمها قائلة: آه لو تنصفين ولو مرة في العمر! - آكلة شاربة ثم لا تشكرين. أتذكرين كيف أطلقت علي لسانك الطويل بسبب جلباب!
فقالت حميدة بدهشة: وهل الجلباب شيء يهون؟! ما قيمة هذه الدنيا بغير الملابس الجديدة؟! ألا ترين أن الأولى بالفتاة التي لا تجد ما تتزين به من جميل الثياب أن تدفن حية؟!
ثم امتلأ صوتها أسفا وهي تقول مستدركة: آه لو رأيت بنات المشغل! آه لو رأيت اليهوديات العاملات! كلهن يرفلن في الثياب الجميلة. أجل ما قيمة الدنيا إذا لم نرتد ما نحب؟!
فقالت الأم باستياء: أفقدتك مراقبة فتيات المشغل واليهوديات عقلك، وهيهات أن يهدأ لك بال!
Página desconocida