وأرعش خصره بغتة في سرعة عجيبة، ثم أمسك وهو يرمقها بعجب وتيه، وسألها باستعطاف: هلا انتزعت هذا الروب لأطلع على جسمك.
ولكن فرج عاجله قائلا: ليس الآن .. ليس الآن.
فمط سوسو بوزه متأسفا وسألها: أتخجلين مني يا تيتي .. أنا أختك سوسو! .. ألم يعجبك رقصي؟
وكانت تدافع جاهدة شعورا بالضيق والارتباك، وتحاول في إصرار وعناد أن تبدو باردة هادئة مستهينة بل راضية، فابتسمت وقالت: رقصك بديع جدا يا سوسو.
فصفق سوسو بيديه حبورا وقال: دمت من فتاة كريمة .. الحياة فانية يا تيتي، وأجمل ما فيها كلمة حلوة، وهل دام شيء لإنسان؟ .. الواحد منا يشتري حق الفازلين ولا يدري أيكون لشعره أم لشعر ورثته؟! •••
وغادرا الحجرة - أو الفصل - إلى الردهة، فمضى بها إلى الحجرة التي تليها، وشعر بعينيها تلحظانه ولكنه تجاهلهما عن حكمة، حتى بلغا الباب فغمغم قائلا: فصل الرقص الغربي.
فتبعته صامتة. كانت تعلم أن النكوص قد بات مستحيلا، وأن الماضي قد عفاه الحاضر، فلم تر بدا من الاستسلام للمقادير، وتساءلت: هل تبلغ حقا السعادة المنشودة؟ وجدت هذه الحجرة في بنائها وصورتها كسابقتها إلا أنها حجرة حية متحركة صاخبة. كان الحاكي يبعث لحنا غريبا تلقته أذنها في دهشة وإنكار، وكان قوم يرقصون أزواجا، قوام كل زوج فتاتان، وقد انتحى شاب أنيق البزة جانبا وهو يراقبهن بعناية، ويوليهن بملحوظاته، وتبادل الرجلان التحية، وواصل الراقصات رقصهن وهن يتفحصن حميدة بنظرات ثاقبة ناقدة. ودارت عيناها بالمرقص والراقصات فعجبت لثيابهن البديعة وزينتهن البارعة، وسرعان ما تناست هواجسها، واستولى عليها انفعال عارم، فعانت شعورا مؤلما بالضعة، ثم استفزها إحساس حاد بالحماس والتوثب. ولاحت منها التفاتة إلى رجلها فوجدته محافظا على هدوئه ورزانته، تلوح في عينيه نظرة متعالية تنطق بالسيادة والقوة. والتفت نحوها فجأة كأنما جذبته عيناها، فانبسطت أساريره، ومال نحوها قليلا متسائلا: أيعجبك ما ترين؟
فقالت ببساطة وهي تقاوم انفعالها: جدا! - أي الرقصين تفضلين؟
فابتسمت ولم تجب. ولبثا قليلا صامتين، ثم غادرا الحجرة، واتجها نحو باب ثالث وقد تجلى الاهتمام في وجهها. وما كاد يدفع الباب حتى حملقت في دهشة وذهول. رأت في وسط الحجرة امرأة عارية منتصبة القامة. وظلت ثواني لا تحول بصرها عنها فلم تر شيئا سواها. ومن عجب أن المرأة العارية بقيت بموقفها كأنها لم تشعر بمقدمهما، وجعلت تنظر إليهما في هدوء واستهتار، وقد افتر ثغرها عن ابتسامة رقيقة كأنها تحييهما أو تحييه هو بالأحرى. وعند ذاك قرعت أذنيها أصوات، فتلفتت يمنة ويسرة وأدركت أن الحجرة معمورة بالآدميين. رأت إلى يسار الداخل صفا من المقاعد مشغولا نصفها بفتيات حسان أنصاف عرايا أو على وشك التعري! .. ورأت على كثب من المرأة العارية رجلا في بدلة أنيقة قابضا بيمناه على مؤشر قد ركز سنانه على مقدم حذائه، ولاحظ فرج إبراهيم دهشتها، فرغب أن يسري عنها، فقال لها: هذا الفصل لتعليم مبادئ اللغة الإنجليزية.
فحدجته بنظرة إنكار كأنها تقول له: «لا أفهم شيئا.» فأشار لها بالتمهل ثم وجه خطابه للرجل القابض على المؤشر وقال: استمر في درسك يا أستاذ.
Página desconocida