El Cenit del Islam

Ahmad Amin d. 1373 AH
61

El Cenit del Islam

ظهر الإسلام

Géneros

فقال: ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين.

فلما استكمل دراسته ومشافهته وضع في اللغة كتابه «الصحاح» الذي يعد - بحق - من أسس كتب اللغة.

وكما اجتهد في تصحيح الألفاظ وضبطها كان له الفضل في اختراع الطريقة التي ألف عليها كتابه، وحذا حذوه فيها صاحب «القاموس» و«لسان العرب» وغيرهما من حصر الكلمات في أبواب حسب أواخرها، وتقسيم الأبواب إلى فصول حسب أوائلها، وكانت كتب اللغة قبله ترتب ترتيبا مهوشا، فتذكر الكلمة ثم يذكر مقلوبها، كما فعل صاحب كتاب «العين» «والجمرة»، وقد مات نحو سنة 400ه.

67

وعلى الجملة، فلئن كان أكثر العنصر التركي في المملكة الإسلامية إنما يمتاز بالجندية والخشونة مع ضعف الثقافة؛ فقد نبغ منهم علماء في فروع مختلفة حصلوا ما كان من الثقافة في عصرهم، وابتكروا بعقولهم.

العنصر الفارسي

لم يهدأ الفرس منذ رأوا الأتراك تحتل مراكزهم في الدولة العباسية وتستبد بالسلطان دونهم، وتقصيهم عن أماكنهم. لقد كان الفرس في العصر العباسي الأول هم عماد الدولة، وبيدهم تصريف شئونها، وكان الخليفة يعتمد عليهم في أهم الأمور، وهم يحتفظون له بمظهر الأبهة والجلالة، ثم ينشرون سلطانهم، فإذا أحس الخليفة منهم استبدادا أوقع بهم، كما فعل الرشيد بالبرامكة، والمأمون بابن سهل، ولكنهم سرعان ما يستردون نفوذهم، فلما جاء الأتراك أبعدوهم عن منزلتهم، وغلبوا على الخليفة دونهم، فانكمش الفرس على حنق، ولعبت بهم العصبية الفارسية ، وأخذوا يدسون الدسائس ويدبرون المؤامرات، ويحصنون أنفسهم بالرجال والسلاح، ويرمون إلى اقتطاع البلاد والاستيلاء عليها - وخصوصا بلادهم الفارسية - والاستقلال بها عن خلفاء بغداد، فإذا سنحت لهم فرصة بعد فليستولوا على العراق وعلى الخليفة، وليتسلطوا هم عليه، ويقضوا على سلطة الأتراك، وكذلك كان.

كانت هذه العصبيات تلعب في عقول الفرس والترك، كل يريد الغلبة ويريد القضاء على صاحبه؛ وكانت بغداد ساحة في كثير من الأوقات للقتال بين الديالمة والأتراك، ولعل خير ما يمثل هذا ما روى الصولي في حوادث سنة 323 من أن «مرداويج الفارسي الأصل (أمير الري وطبرستان، ومؤسس الدولة الزيارية) جعل عسكره صنفين: صنف منهم جيل وديلم،

68

وهم خواصه، وأهل بلده الذين فتح بهم الري ونواحيها، ومنهم صنف أتراك وأهل خراسان، ثم استخص نفرا من الأتراك، فوجد الديلم من ذلك، وعاتبوه عليه، فقال: إنما اتخذت الأتراك لأقيكم بهم، وأقدمهم يحاربون بين أيديكم، وأنتم خاصتي وأنا بكم ولكم. فبلغ ذلك الأتراك، فأجمع رأيهم على قتله، فأوصوا الغلمان الصغار الذين في خدمته، ووكدوا عليهم بالتركية أن يفتكوا به، فقتلوه في حمام، وجاءهم الذين واطئوهم على ذلك وأخرجوهم من الدار. وركبوا دوابه وساروا فاضطربوا، فقالوا: نجعل علينا رئيسا. فرضوا ببجكم، وأخذوا من داره مالا عظيما، وآنية فضة وذهب. وكان (أي مرداويج) قد تكبر وتجبر، ووضع التاج على رأسه مكللا بأحسن الحب والياقوت، وجلس على سرير فضة حواليه ذهب، وكان مرصعا بجوهر، وقال: «أنا أرد دولة العجم، وأبطل دولة العرب.»

Página desconocida