من ذلك التاريخ دخل في نزاع العصبية عنصر قوي جديد، فقد كان النزاع قبل بين الفرس والعرب، فأصبح بين العرب والفرس والترك؛ وكان العرب قد ضعف أمرهم في نزاعهم مع الفرس، فجاءت قوة الترك ضغثا على إبالة، وتوجهت قوة الترك أولا - لإضعاف شأن هؤلاء الفرس المستبدين بالسلطان. وأخذ التاريخ الإسلامي يصطبغ بالصبغة التركية، وبعد أن كانت الأحداث تتصل بأعلام الفرس، كأبي مسلم الخراساني والبرامكة والحسن بن سهل والفضل بن سهل، وعبد الله بن طاهر وأمثالهم؛ ظهر التاريخ مرتبطة أحداثه بأشناس، وإيتاخ، وبغا الكبير، وبغا الصغير، وابن طولون وأمثالهم من الأتراك؛ إذ كانوا القابضين على زمام الدولة والمتصرفين في شئونها.
وبدأت العصبية ضد الأتراك من عهد دخولهم بغداد، فقد شكا أهل بغداد للمعتصم وقالوا له: تحول عنا وإلا قاتلنا! قال: وكيف تقاتلونني وفي عسكري ثمانون ألف دارع؟! قالوا: نقاتلك بسهام الليل - يعنون الدعاء - فقال المعتصم: والله ما لي بها طاقة! فبنى لذلك سر من رأى وسكنها.
5
وهجا دعبل الخزاعي المعتصم لتعصبه للأتراك وحمايته إياهم فقال:
لقد ضاع أمر الناس حيث يسوسهم
وصيف وأشناس وقد عظم الخطب
وإني لأرجو أن ترى من مغيبها
مطالع شمس قد يغص بها الشرب
وهمك تركي عليه مهانة
فأنت له أم وأنت له أب
Página desconocida