Líderes, Artistas y Escritores
زعماء وفنانون وأدباء
Géneros
ثائر على النقاد!
رأيت اليوم إحسان عبد القدوس وهو يغلي من الغضب، وعندما يغضب إحسان تتقلص عضلات وجهه، وتتناثر الألفاظ من فمه كما لو كانت شظايا، وتصاب حروف الكلمات بانتفاخ شديد، فإذا الذال كالظاء، والسين كالصاد، والدال كالضاد وحرف الراء كحرف الغين!
قال إن النقاد يتعقبونه بالهجوم والتجريح، فهم يتهمونه بأنه يعمد في قصصه إلى الإثارة الجنسية، وأنه بهذه الطريقة استطاع أن يجمع حوله كل القراء المراهقين، وهؤلاء النقاد يكيلون له الاتهامات جزافا، فكثيرون منهم لم يقرءوا له عملا كاملا، ومع ذلك استباحوا لأنفسهم أن يرموه بشر التهم!
وقلت لإحسان: لا ينبغي للمفكر أن يضيق بالنقد، مهما يكن قاسيا، قال: إنني لا أبالي بالقسوة، ولكني أكره الظلم، والنقاد الذين تصدوا لأعمالي بالهدم لم يكونوا قساة، ولكنهم كانوا ظالمين! وضرب مثلا على هذا الظلم بما كتبه عنه الدكتور مندور، وقال: لقد سبق للدكتور مندور أن اتهمني بأني اقتبست قصتي القصيرة «دعني لولدي» من الكاتب العالمي ستيفان زفايج، وقد رددت على نقده بأسلوب اعتمدت فيه على المنطق، وكل الذين اطلعوا على ردي اقتنعوا بأني لم أقتبس القصة من أحد، وأن فكرة غيرة الطفل على أمه من عشيقها، وهي الفكرة التي عالجتها في قصتي، بعيدة في سياقها، وتفصيلاتها، وجوها، عن الفكرة التي عالجها زفايج، وقد اعترف مندور بأني تناولت الفكرة بأسلوبي الخاص، وطابعي الذي تميزت به؛ وما هو الفن؟ إنه أسلوب وطابع، والقصة الجديرة بالبقاء هي القصة القائمة على أساس فني صحيح، ولو تشابهت مع غيرها، والقصة التي لا تبقى هي القصة القائمة على أساس زائف، ولو احتوت على أشياء لم تخطر ببال أحد.
وقال إحسان إنه تحمس للرد على مندور، واعتزم أن يطالب الجريدة بنشر قصته وقصة زفايج في صفحتين متقابلتين؛ ليستطيع القراء أن يحكموا له، أو يحكموا لمندور، ولكنه وجد أن نقد مندور وإن كان ينطوي على تجن وتحامل، فهو أيضا ينطوي على تراجع وتأنيب ضمير؛ فقد أصر على اتهامه في صخب وضجة، ثم لم يلبث أن تراجع في هدوء وتحصن أمام قرائه بالعبارات التقليدية، مثل الإطار العام والطابع الخاص!
إن الدكتور مندور قد اقتنع بأنه ظلمني في الاتهام الذي وجهه لي، وكل ما في الأمر أنه عز عليه أن ينفي الاتهام أو يسحبه.
والشعور الذي ينتاب إحسان عبد القدوس من النقد، هو شعور أكثر المفكرين والفنانين؛ فهناك عداء طبيعي بين الناقد وبين المفكر والفنان، المفكرون والفنانون يرون أنهم لو لم يكونوا لما كان النقاد؛ فهم لا يخلقون الأثر الفني وحده، ولكن يخلقون الناقد أيضا! وإلا فكيف يوجد الناقد إذا لم يجد ما ينقده؟ ولهذا يؤلمهم أن يتعالى النقاد عليهم؛ لأنهم خالقون، والنقاد مخلوقون!
أما النقاد فهم يرون أنهم العلماء والمثقفون، وأن المفكرين والفنانين ليسوا إلا مواهب تحتاج إلى تبصير بالعلم والثقافة والتوجيه، وهي أشياء تفرغ لها النقاد، ولا يستطيع المفكرون والفنانون أن يجاروهم في العلم والثقافة؛ لأن هذه المجاراة لا تدع لهم وقتا للخلق والإنتاج!
ولا أنكر أن النقاد كثيرا ما يجنحون في نقدهم إلى القسوة والظلم والتجني، ولكن هذا الجنوح يفيد العمل الفني الأصيل، وكم نسمع من فنان أن النقاد تآمروا عليه وهاجموه، وعندي أن التآمر بالكلمة أهون من التآمر بالصمت!
وما تعانيه نهضة المسرح والسينما والشعر في بلادنا، ليس مبعثه هجوم النقاد عليها، ولكن مبعثه تجاهلهم لهذه النهضة، ومواجهتهم لها بالصمت العميق! وكيف يتكلمون وقد بلغت الحساسية بممثلينا وشعرائنا، حد البكاء والعويل من أي نقد، لا ينتهي بتضفير أكاليل الغار على كل مسرحية وكل فيلم، وكل ديوان شعر جديد!
Página desconocida