Líderes, Artistas y Escritores
زعماء وفنانون وأدباء
Géneros
ونعود إلى الحادثتين الهامتين في حياة الكواكبي، وهما حادثة وصوله إلى مصر، وحادثة وفاته، وكلتاهما ترتبط بالأخرى في مجال اتهام الخديو عباس بدس السم للكواكبي في الطعام.
فقد جاء الكواكبي إلى القاهرة والأزمة على أشدها بين قصر عابدين وقصر يلدز، وأضفى عليه عباس ثوب الرعاية، وكان متحفظا في علاقته بأصدقائه من أعداء الخديو، مثل الإمام محمد عبده والشيخ رشيد رضا وغيرهما، وكان متحفظا كذلك في علاقته بأصدقاء الخديو؛ فهو لا يؤثرهم بمودته، حتى لا يثير حوله شبهة تبعيته للخديو.
وقد ذكر الأستاذ محمد كرد علي، وهو صديق الكواكبي، هذه الرواية: «جاءني الكواكبي ذات ليلة ليستشيرني في أمر عظيم، فقال إن الخديو عباسا عرض عليه أن يصحبه إلى الآستانة ليقدمه إلى السلطان العثماني ويستجلب رضاءه عنه، وبذلك تنحل المشادة ويطمئن خليفة الترك إليه.»
ويمضي كرد علي، فيذكر أنه صعب عليه وعلى صديقه رفيق العظم، أن يبديا رأيهما في موضوع خطير كهذا؛ لأن السلطان العثماني لا تأخذه هوادة فيمن خرجوا على سلطانه، وخشيا أن تكون هناك دسيسة يذهب الكواكبي ضحيتها.
ويستمر كرد علي في روايته فيقول: «إن الكواكبي أخبره هو وصديقه العظم، أنه حائر في أمره بين القبول والرفض، وأنه شعر بالأمس بوجع في ذراعه وما عرف له تعليلا، وانفض المجلس وذهب السيد الكواكبي إلى داره، فما هي إلا ساعة وبعض ساعة، حتى سمعنا ابنه كاظم في الباب يبكي وينوح ويقول: «قم يا كرد علي، فإن صديقك أبي قد مات».»
وروى أحد أصدقائه أنه ذهب إلى الإسكندرية، بدعوة من الخديو عباس لبضعة أيام.
والذين أشاروا إلى الخديو بقتل الكواكبي لم يؤيدوا اتهامهم بصراحة، وإن كانت الظروف والملابسات التي أحاطت بوفاة الكواكبي تكاد تثبت الاتهام، مثل: التعجيل بدفنه، والحرص على التأكيد أنه مات بالذبحة الصدرية، واهتمام بعض الصحف بنشر أعراض الذبحة وتطبيقها على ما شكا منه الكواكبي ليلة وفاته.
وهكذا عاشت أفكار الكواكبي في مصر، وانطلقت من مصر، وقد جذبته مصر وهو حي، فأدى فيها رسالته، وجذبته وهو ميت، فكان مقره الأخير فيها.
أراد الحرية للعقل واللغة والمرأة
امتلأت حديقة الدار بزعيق صاخب، اختلطت فيه لهجة السفرجي النوبي، وصوت البواب الصعيدي، ونبرة الجنايني الريفي، ونباح الكلاب الضخمة التي تحرس الدار القائمة وحدها في شارع الهرم، لا شيء قبل هذه الدار، ولا شيء بعدها إلا فندق مينا هاوس والأهرام وأبو الهول!
Página desconocida