Líderes, Artistas y Escritores
زعماء وفنانون وأدباء
Géneros
فلن يعود يوسف حلمي إلى الحياة بعدما فارقها، ولو ذبحنا قلوبنا أسى عليه.
ولكن كم من يوم طواه الزمن، وظل عالقا بأذهاننا، نابضا في ذاكراتنا؛ لأن عظمته تتحدى الزمن والنسيان.
إن الأحياء كالأيام، إذا مضى يوم فلن يعود، وإذا مات إنسان فلن نجده إلا إذا وصلنا نحن إليه.
وكم من أصدقاء فقدناهم، وما زلنا نعيش معهم بالذكرى والحسرة، ويوسف حلمي واحد من هؤلاء، لا بالنسبة لي كصديق عرفته منذ سبعة وأربعين عاما، ولكن بالنسبة إلى كثير ممن عرفوا يوسف صديقا ومناضلا وعبقريا.
فيوسف حلمي المحامي الذي نعته الصحف، كان كاتبا يعالج الموضوعات السياسية والفنية، وكان قصاصا أضاف إلى المكتبة العربية مجموعة من القصص الصغيرة، أصدرها من نحو ثلاثين عاما، وكان أول خريجي معهد التمثيل، وقد رأس جمعية أنصار السلام، وكان ينادي بالمبادئ الاشتراكية قبل قيام الثورة، ولم تشغله المهام السياسية والاجتماعية التي اضطلع بها، عن الاهتمام بفن الغناء، فعمل على إنشاء جمعية أصدقاء سيد درويش، فقد كان مؤمنا بأن هذا الفنان هو أول من استمد إلهامه من الشعب، من طبقاته الكادحة من فئاته المظلومة، من أحداثه الكبرى، من نيله وريفه، وتراثه الحضاري، وأنه الرجل الذي نقل الأغنية من التخت إلى المسرح، ولم يجعلها احتكارا لحناجر المطربين، بل جعل الشعب كله يسمع ويغني، كانت الأغاني فردية فصارت جماعية.
وكان في جميع تصرفاته، يعمل بإيمان وقدرة، وكم اختلفت معه في رأي أو فكرة، ولكن منطقه في تسويغ آرائه وأفكاره كان يقنعني دائما بأن يوسف حلمي يقول كل ما يعتقده، ويعتقد كل ما يقوله. •••
وزاملت يوسف حلمي ونحن في مرحلة الانتقال إلى الصبا، في ممارسة هواياتنا الفنية، فألفنا جمعية للأدب والتمثيل، وكان بين أعضاء هذه الجمعية أحمد حسين المحامي، ومحمود المليجي الممثل، ومحمد نزيه الصحفي، وكان للجمعية أصدقاء كثيرون ممن يقيمون خارج القاهرة، ومن بينهم الوزير السابق فتحي رضوان.
وكان يوسف يتميز بالجدية والصلابة والرقة أيضا، لم يكن يتساهل فيما يؤمن بأنه حق، ويدافع عن إيمانه بالكلمة الصريحة والابتسامة الحلوة، ويستعمل عضلاته عند الاقتضاء، فقد كان قوي البنية، شجاعا، يفيض صحة وشبابا وحيوية.
وظل كذلك إلى بضع سنوات مضت، ثم داهمه المرض الخطير الذي عجز العلم عن أن يجد له دواء إلا الموت، فحوله إلى شبح، ناحل، أصفر، وظل يقاوم المرض بإرادته وتشبثه بالحياة، إلى أن مات بلا رئتين، فقد أكلهما السرطان. •••
وكنت أعمل مع يوسف حلمي في جريدة روز اليوسف اليومية، وفي هذه الجريدة تجلت موهبة يوسف الصحفية؛ فكان القراء يقبلون على قراءة تعليقاته القصيرة تحت عنوان «همسة» بشغف شديد، وقد شارك في تبويب الجريدة وإخراجها، وأعطاها كل طاقته ومواهبه، وتعد هذه الجريدة إحدى الدعامات الكبرى في تفوق صحافتنا مادة وأسلوبا وإخراجا. •••
Página desconocida