Líderes de la Reforma en la Era Moderna
زعماء الإصلاح في العصر الحديث
Géneros
24
هذا أبو الهدي الصيادي الذي لم يتحرز عبد الله نديم أن يخاصمه وينازله، ويطلق فيه لسانه، ووضع فيه كتابا سماه «المسامير»، لم ينشر في حياته، وهو كتاب لا يشرف الصيادي ولا عبد الله نديم، لأنه استعمل فيه أسلوبا وضيعا وهجاه فيه هجاء مقذعا.
وبلغ أبا الهدي أمر هذا الكتاب المخطوط، فأبلغ السلطان عبد الحميد أن فيه أيضا هجاء له؛ فبحث عنه طويلا من غير جدوى، استطاع «جورج كرتشي» الذي كانت متصلا بالسيد جمال الدين و«النديم» أن يحتفظ به ويخفيه ويفر به إلى مصر، ثم يطبعه.
لم تطل حياة «النديم» في الآستانة طويلا، فقد أصيب بالسل، واشتدت عليه العلة، فمات في العاشر من أكتوبر سنة 1896، واحتفل بجنازته احتفالا كبيرا مشى فيه السيد جمال الدين - الذي لحقه إلى ربه بعد أشهر - ودفن في مدفن يحيى أفندي في «باشكطاش».
وكانت أمه وأخوه قد علما بشدة مرضه، فسافرا إليه، ولكن لم يدركاه إلا ميتا، ووجدا متاعه وأثاثه وكل شيء له قد نهب، فعادا وليس في يدهما إلا الحزن والأسى.
مات في نحو الرابعة والخمسين من عمره، فلم يكن بالعمر الطويل، ولكنه عمر عريض فطالما غذى الناس بقلمه وهيجهم بأفكاره، وأضحكهم وأبكاهم، وحير رجال الشرطة. وأقلق بال رجال السياسة، ونازل خصومه من رجال الصحافة، فنال منهم أكثر مما نالوا منه، ولم يهدأ له لسان ولا قلم حيث حل، ولا على أي حال كان، حتى هدأه الموت الذي يهدئ كل ثائر.
مهما أخذ عليه فقد كان عظيما!
فتح للناس في جريدتيه «التبكيت والتنكيت» و«الأستاذ» أبوابا من الإصلاح الاجتماعي كانت مغلقة، في التعليم والزراعة، واللغة والصناعة، والأخلاق وما إلى ذلك، فسار المصلحون على أثره.
وكانت الجرائد المشهورة في عهده «المقطم» و«الأهرامات» و«المؤيد» و«النيل»، وكان لها ثلاث اتجاهات: منها ما يسالم الاحتلال ويؤيده، ومنها ما يؤيد الحركة الوطنية ويؤيد من ورائها السياسة الفرنسية، ومنها ما يؤيد الحركة الوطنية والنزعة الإسلامية والارتباط بالدولة العثمانية، وكل منها يعرض وجهة نظره في شيء من الهدوء والرزانة والوقار. فلما طلع «الأستاذ» دعا إلى أن مصر للمصريين، لا لتركيا ولا للأوربيين، وناصر الحركة الوطنية والالتفاف حول الخديوي أمير البلاد، ودعا الذين غلبهم الخوف بعد الاحتلال أن يبرزوا من مكامنهم، ويمسحوا الخوف عنهم، ويتصلوا بالجمهور ليوقظوه، ودعا إلى تأليف الأحزاب حتى يكون كل جريدة حزبها، ولكل حزب برنامجه؛ ولم يسلك سبيل الهدوء كما سلكه معاصروه، بل كان حادا عنيفا، والحدة منه استتبعت الحدة من الجرائد الأخرى، والغضب يبعث الغضب، والصوت العالي يبعث في الرد عليه الصوت العالي، فتميزت الجرائد بعضها عن بعض في وضوح وجلاء.
وكانت هذه الحدة وهذا الجدل المتتابع في المسائل العامة أكبر موقظ للرأي العام النائم، يفهمه موقفه وما يضره وما ينفعه، وأي غاية يريد منه هؤلاء وهؤلاء، ومواطن ضعفه، وكيف السبيل إلى قوته، وللنديم الفضل الكبير في ذلك.
Página desconocida