قال الحسن البصري : لم يخلق الله آدم إلا للأرض ، ولو لم يعص لأخرجه على غير تلك الحال. وقال غيره : يجوز أن يكون خلقه للأرض إن عصى ، ولغيرها إن لم يعص. وهو الأقوى.
واعلم أن التوبة عبارة عن الندم على ما مضى من القبيح ، والعزم على أن لا يعود إلى مثله في القبح ، فإن هذه التوبة أجمع المسلمون على سقوط العقاب عندها ، واختلفوا فيما عداها. وكل معصية لله تعالى يجب التوبة منها. وعندنا يصح التوبة من ترك الندب ، ويكون ذلك على وجه الرجوع إلى فعله. وعلى هذا يحمل توبة الأنبياء عليهم السلام في جميع ما نطق به القرآن. وقبول التوبة وإسقاط العقاب عندنا تفضل من الله تعالى ، لكن لما وعدنا الله تعالى بذلك علمنا أنه لا يخلف الميعاد. وعند جميع المعتزلة واجب عليه.
وأما التوبة من قبيح مع الإقامة على قبيح آخر يعلم أو يعتقد قبحه ، فعند أكثر المتكلمين هي صحيحة ، وعند أبي هاشم وأصحابه لا يصح. ودليل الأولين أنه كما يجوز أن يمتنع عن قبيح لقبحه مع أنه يفعل قبيحا آخر وإن علم قبحه ، كذلك يجوز أن يندم من قبيح مع المقام على قبيح آخر يعلم قبحه.
( قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (38) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (39))
ولما أمر سبحانه أولا بإهباطهم من الجنة إلى السماء أمرهم ثانيا بإهباطهم إلى الأرض فقال : ( قلنا اهبطوا منها جميعا ) فلا تكرير في الإهباط. و «جميعا» حال في اللفظ تأكيد في المعنى ، كأنه قيل : اهبطوا أنتم أجمعون ، ولذلك لا يستدعي اجتماعهم على الهبوط في زمان واحد ، كقولك : جاؤا جميعا.
Página 131