( فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء ) تبكيتا لهم وتنبيها على عجزهم عن أمر الخلافة ، فإن التصرف والتدبير وإقامة المعدلة قبل تحقق المعرفة والوقوف على مراتب الاستعدادات وقدر الحقوق محال ، لا تكليفا ليكون من باب التكليف بالمحال. والإنباء إخبار فيه إعلام ، ولذلك يجري مجرى كل منهما.
( إن كنتم صادقين ) في زعمكم أنكم أحقاء بالخلافة لعصمتكم ، أو أن خلقهم واستخلافهم وهذه صفتهم لا يليق بالحكيم ، وهو وإن لم يصرحوا به لكنه لازم مقالهم.
ثم أخبر سبحانه عن الملائكة بالرجوع إليه والتسليم لأمره فقال : ( قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا ). هذا اعتراف بالعجز والقصور ، وإشعار بأن سؤالهم كان استفسارا ولم يكن اعتراضا ، وأنه قد بان لهم ما خفي عليهم من فضل الإنسان والحكمة في خلقه ، وإظهار لشكر نعمته بما عرفهم وكشف لهم ما اعتقل عليهم ، ومراعاة للأدب بتفويض العلم كله إليه.
و «سبحان» مصدر كغفران ، ولا يكاد يستعمل إلا مضافا منصوبا بإضمار فعله ، ك : معاذ الله. وقد أجري علما للتسبيح بمعنى التنزيه. وتصدير الكلام به اعتذار عن الاستفسار والجهل بحقيقة الحال ، ولهذا جعل مفتاح التوبة فقال موسى عليه السلام :
( سبحانك تبت إليك ) (1) وقال يونس عليه السلام : ( سبحانك إني كنت من الظالمين ) (2).
( إنك أنت العليم ) بجميع المعلومات ، وهو صفة مبالغة للعالم ( الحكيم ) المحكم للأفعال ، والمبدع الذي لا يفعل إلا ما فيه حكمة بالغة.
و «أنت» فصل. وقيل : تأكيد للكاف كما في قولك : مررت بك أنت ، وإن لم يجز : مررت بأنت ، إذ التابع يسوغ فيه ما لا يسوغ في المتبوع ، ولهذا جاز : يا هذا
Página 118