باعتبار تينك القوتين لا تقتضي الحكمة إيجاده فضلا عن استخلافه؟ وأما باعتبار القوة العقلية فنحن نقيم ما يتوقع منها سليما عن عروض تلك المفاسد. وغفلوا عن فضيلة كل واحدة من القوتين إذا صارت مهذبة مطواعة للعقل متمرنة على الخير ، كالعفة والشجاعة ومجاهدة الهوى والإنصاف ، ولم يعلموا أن التركيب يفيد ما يقصر عنه الآحاد ، كالإحاطة بالجزئيات ، واستنباط الصناعات ، واستخراج منافع الكائنات من القوة إلى الفعل الذي هو المقصود من الاستخلاف. وإليه أشار تعالى إجمالا بقوله : ( قال إني أعلم ) من المصالح والحكم في ذلك ( ما لا تعلمون ) وخفي عليكم وجه الحكمة.
والتسبيح تبعيد الله عن السوء ، وكذلك التقديس ، من سبح في الأرض والماء ، وقدس : إذا ذهب فيها وأبعد ، ويقال : قدس إذا طهر ، لأن مطهر الشيء مبعد له عن الأقذار.
و «بحمدك» في موضع الحال ، أي : ملتبسين بحمدك على ما ألهمتنا معرفتك ووفقتنا لتسبيحك ، ولو لا إنعامك علينا بالتوفيق واللطف لم نتمكن من عبادتك. تداركوا به ما أوهم إسناد التسبيح إلى أنفسهم.
( ونقدس لك ) بمعنى نطهر نفوسنا عن الذنوب لأجلك. وقيل : اللام مزيدة ، ومعناه حينئذ : ننزهك عما لا يليق بك من صفات النقص ، ولا نضيف إليك القبائح. وروي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «إن الملائكة سألت الله عز وجل أن يجعل الخليفة منهم ، وقالوا : نحن نقدسك ونطيعك ولا نعصيك كغيرنا ، قال : فلما أجيبوا بما ذكر في القرآن علموا أنهم تجاوزوا مالهم ، فلاذوا بالعرش استغفارا ، فأمر الله تعالى آدم بعد هبوطه أن يبني له في الأرض بيتا يلوذ به المخطئون كما لاذ بالعرش الملائكة المقربون ، فقال الله تعالى للملائكة : إني أعرف بالمصلحة منكم ، وهو معنى قوله : ( إني أعلم ما لا تعلمون ). وهذا يدل على أنه تعالى لا يفعل القبيح ، لأنه لو كان يحسن منه كل شيء لم يكن لهذا الكلام معنى.
Página 115