بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة على رسوله وآله أجمعين.

أما بعد (1):

اعلم أن هنا فائدة لا بد قبل شروع في المقصود من الإشارة إليها وهي أن المشهور بين الطلبة أنه لا يجوز تفسير القرآن بغير نص وأثر حتى قال الشيخ أبو علي الطبرسي قدس سره في تفسيره الكبير " واعلم أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الأئمة عليهم السلام أن تفسير القرآن لا يجوز إلا بالأثر الصحيح والنص الصريح ورى العامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال من فسر القرآن برأيه فأصاب الحق فقد أخطأ، قالوا وكره جماعة من التابعين القول في القرآن بالرأي كسعيد بن المسيب [وعبيدة السلماني] وسالم بن عبد الله وغيرهم والقول في ذلك أن الله سبحانه ندب إلى الاستنباط وأوضح السبيل إليه ومدح أقواما عليه فقال " لعلمه الذين يستنبطونه منه (2) " وذم آخرين على ترك تدبره والإضراب عن التفكر فيه فقال " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها (3) " وذكر أن القرآن منزل بلسان العرب، " إنا جعلناه قرآنا عربيا (4) ".

Página 1

إلى أن قال: " هذا وأمثاله يدل على أن الخبر متروك الظاهر، فيكون معناه إن صح أن من حمل القرآن على رأيه، ولم يعلم شواهد (1) ألفاظه فأصاب الحق فقد أخطأ الدليل وقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال إن القرآن ذلول ذو وجوه فاحملوه على أحسن الوجوه ".

" وروي عن عبد الله بن عباس أنه قسم وجوه التفسير على أربعة أقسام: تفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير تعرفه العرب بكلامها، وتفسير يعلمه العلماء، و تفسير لا يعلمه إلا الله عز وجل: فأما الذي لا يعذر أحد بجهالته، فهو ما يلزم الكافة من الشرائع التي في القرآن، وجمل دلائل التوحيد (2) وأما الذي تعرفه العرب بلسانها فهو حقائق اللغة ومصوغ كلامهم (3) وأما الذي يعلمه العلماء فهو تأويل المتشابه و فروع الأحكام وأما الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل فهو ما يجري مجرى الغيوب وقيام الساعة تم كلامه (4).

أقول: تحرير الكلام أن الخبر محمول على ظاهره، غير متروك الظاهر، و أنه صحيح مضمونه على ما اعترف به في أول كلامه، حيث قال قد صح عن النبي صلى الله عليه وآله، بيانه أن الشيخ أبا على رحمه الله قال في أول تفسيره: التفسير معناه كشف المراد عن اللفظ المشكل، والتأويل رد أحد المحتملين إلى ما يطابق الآخر، وقيل التفسير كشف المغطى، والتأويل انتهاء الشئ ومصيره، وما يؤل إليه أمره، وهما قريبان من الأولين فالمعنى من فسر وبين وجزم وقطع بأن المراد من اللفظ المشكل مثل المجمل والمتشابه كذا، بأن يحمل المشترك اللفظي مثلا على

Página 2

أحد المعاني من غير مرجح وهو إما دليل نقلي كخبر منصوص أو آية أخرى كذلك أو ظاهر أو إجماع، أو عقلي. أو المعنوي (1) المراد به أحد معانيه بخصوصه بدليل بغير الدليل المذكور، على فرد معين، فقد أخطأ (2).

وبالجملة المراد من التفسير الممنوع برأيه وبغير نص هو القطع بالمراد من اللفظ الذي غير ظاهر من غير دليل، بل بمجرد رأيه وميله، واستحسان عقله من غير شاهد معتبر شرعا كما يوجد في كلام المبدعين وهو ظاهر لمن تتبع كلامهم والمنع منه ظاهر عقلا، والنقل كاشف عنه، وهذا المعنى غير بعيد عن الأخبار المذكورة بل ظاهرها ذلك.

Página 3

* (كتاب الطهارة) * نبدأ بالفاتحة تيمنا وتبركا ثم نذكر آياتها.

بسم الله الرحمن الرحيم يمكن الاستدلال بها على راجحية التسمية عند الطهارة بل عند كل فعل إلا ما أخرجه الدليل بأن الظاهر أن المراد بها تعليم العباد ابتداء فعلهم فإن معناه على ما قاله الشيخ أبو علي الطبرسي رحمه الله في كتاب تفسيره الكبير: استعينوا في الأمور باسم الله تعالى بأن تبدأوا بها في أوائلها كما فعله الله تعالى في القرآن فتقديره استعينوا بأسمائه الحسنى، وكأن المراد في أول أموركم وابتدائها كما يظهر من المقام بأن تقولوا " باسم الله " فينبغي قوله في ابتداء الأكل والشرب واللبس والذبح وغيرها كما قاله الفقهاء، ويؤيده الخبر المشهور: كل أمر ذي بال لم يبدء فيه باسم الله فهو أبتر، وغيره من الشواهد.

ثم إنه يمكن الاستدلال بها على وجوب ذلك [في ابتداء الأفعال والأمور] إلا ما وقع الاتفاق أو دليل آخر على عدمه مثل الذبح بالطريق المشهور من الاستدلال:

بأن الآية بل الخبر أيضا دلتا على وجوب التسمية وضع عنه المتفق على عدمه بقي الباقي تحته فوجب في الذبح.

الحمد لله رب العالمين:

والاستدلال بها على رجحان قولها عند كل فعل مثل الاستدلال الأول و يؤيده أيضا الخبر المشهور كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بالحمد لله فهو أبتر و أجذم وغيره مثل ما نقل في الكافي عن الصادق عليه السلام أنه قال إن الرجل إذا أراد أن يطعم فأهوى بيده فقال بسم الله والحمد لله رب العالمين غفر الله له قبل أن تصير اللقمة إلى فيه (1) وهذا مؤيد للتسمية أيضا. وليس ببعيد كون الفاتحة أول القرآن

Página 4

مبتدءا بالتسمية فالتحميد، يكون مؤيدا أيضا. قال في الكشاف في بيان كون الباء للاستعانة: " إن المؤمن لما اعتقد أن الفعل لا يجيئ معتدا به في الشرع واقعا على السنة حتى يصدره باسم الله لقوله عليه السلام كل أمر ذي بال لم يبدء فيه باسم الله فهو أبتر و إلا كان فعلا كلا فعل، جعل فعله مفعولا باسم الله كما يفعل الكتب بالقلم ". وفي بيان كونها بمعنى المصاحبة: " هذا مقول على ألسنة العباد إلى قوله ومعناه تعليم عباده كيف يتبركون باسمه، وكيف يحمدونه " أي في أوائل فعلهم كما هو الظاهر من المقام والبيان. قال البيضاوي في رب العالمين أي مربيها دلالة على أن الممكن في بقائه محتاج إلى العلة كحال حدوثه، وليس بواضح، نعم في الحمد لله رب العالمين دلالة على كونه تعالى قادرا مختارا من وجهين (1) فيفهم كون العالم حادثا أيضا فافهم.

وفي قوله " الرحمن الرحيم " دلالة على العفو والصفح وفي قوله " مالك يوم الدين " دلالة على الترغيب والترهيب وإثبات القيامة والمعاد لأن المكلف إذا علم ذلك يرجو ويخاف كما قيل " إياك نعبد " العبادة غاية الخضوع والتذلل وكذا في الكشاف وتفسير البيضاوي وفي مجمع البيان: هي ضرب من الشكر وغاية فيه لأنها الخضوع بأعلى مراتبه مع التعظيم وفي كون المراد هنا ما ذكروه تأمل فإن الظاهر أن ليس ذلك واجبا ولا يدعيه العباد، ويدل على وجوب تخصيصه تعالى بالعبادة إذ حاصله قولوا نخصك بالعبادة، ولا نعبد غيرك، فيجب العبادة و الإخلاص فيها حتى يحسن الأمر بالقول، ويكونوا هم صادقين في القول بل الظاهر أن المقصود من هذا القول هو التخصيص بالعبادة أي العبادة والإخلاص فيها، وهي النية فيفهم وجوبها فيحرم تركها، والرئاء بقصد غيره تعالى بالعبادة " وإياك نستعين " يدل على عدم جواز الاستعانة في العبادة بغيره تعالى بل في شئ من الأمور إلا ما أخرجه

Página 5