============================================================
الأعشى وفد على كسرى، فسأل عنه، فقالوا : "سرودكوي بتازي"(1) ، يعنون "مغني بالعربية". وأنشده: [الطويل] أرقت وما هذا السهاد المؤرق( وما بي من سقم وما بي معشق(2) وفسر له قوله، فقال: هو إذن لص(3). ولم يعلم أنه قد يأرق غير السقيم والعاشق واللص، وهو ملك. فأين ما يلحق الملوك من السهر لتفكرهم في أمر المملكة والتدبير؟ والمهموم أشد سهرا من السقيم وغيره. والمذعور أشد سهرا منه. ومن أجل ذلك اتخذ الملوك سمارا ومحدثين، حتى رويت لهم الأسمار ودونت. والسمر حديث الليل عند السهر. وللسهر أسباب كثيرة، غفل عنها هذا العلج، وخفيت عليه. وإنما قيل له حين سأل عن الأعشى "سرودكوي بتازي"، لأنهم لم يعرفوا للشاعر اسما، ولا عرفوا للشعر، ولم يكن فيهم ديوان للشعر.ا وأما الذي أحدثوه الآن من الشعر بالفارسية فهو كلام لا معنى له، ولا حجة فيه، ولا نفع به ، ولا ديوان له عند العجم، مثل ديوان الشعر عند العرب، وكما فيه من النفع الظاهر، والفضل البين. وهو شيء محدث غير قديم، سمعوا الشعر العربي، فتكلفوه وحذوا على ذلك المثال(4).
سمعت جماعة من أهل المعرفة يذكرون أن أول من قال الشعر بالفارسية رجل (1) هكذا في ب، وفي م وأخواتها : سرودكو بتازي. وفي الشعر والشعراء لابن قتيبة 251/1: أسروذ كويذ تازي" . وقد فسرها ابن قتيبة أيضا على أنها "مغني العرب" . ومن المحتمل أن لهذه العبارة علاقة بلقب الأعشى لصناجة العرب" . وفيما يتعلق بالمقطع الثاني من العبارة (تازي)، فقد كان الساسانيون يسمون العرب (تاجيان) ، كما يقول حمزة الأصفهاني في تاريخ سني ملوك الأرض ص 28 . وربما نوعوا على هذه التسمية، فهي (تازي) أو (تاجي) أو (تاشي) . ومن المرجح الآن أنها مأخوذة من كلمة (طائي) العربية، وإن كان هناك من يرى انها من كلمة (تاز) الفارسية، بمعنى (الأرض المقفرة) . انظر : المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام لجواد علي 32/1.
(2) ديوان الأعشى ص 117.
(3) الشعر والشعراء لابن قتيبة 251/1، ونور القبس ص 122، وخزانة الأدب 551/1، من دون الإشارة إلى التسمية الفارسية.
(4) لعل الإشارة هنا إلى شعر أبي عبد الله جعفر بن محمد الرودكي، الذي يعتبر "أبا الشعر الفارسي"، وكان يتغنى بشعره على "البربط" . وهو من معاصري أبي حاتم الرازي، وتوفي سنة 329 أو 330 . وانظر : إدوارد براون : تاريخ الأدب في إيران ج1، ق2 ، ص 379 .
Página 139