============================================================
وقال أبو جلدة اليشكري (1)، يحض أهل العراق على أهل الشام في حرب الحجاج: [الطويل] فقل للحواريات يبكين غيرنا ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح(2) وقد كان أهل العراق انهزموا، فلما قال أبو جلدة هذا، حققوا على أهل الشام فهزموهم . فقال الحجاج: ما حضض علي أحد كما حضض أبو جلدة بهذا البيت.
اتحول الشعر إلى صفعة] وكان هذا في الجاهلية أول ما نشأ الشعر(3) أصح وأحكم، كما قال أبوا عمرو. ثم رغب الملوك في اصطناع الشعراء، لما وجدوا في الشعر من المنافع فأعطوهم الهبات الرغيبة والعطايا السنية. فدعاهم ذلك إلى أن خلطوا الباطل بالحق، وشابوا الكذب بالصدق، فقالوا في الممدوح فوق ما كان فيه، وقرظوه بما يس له بأهل، فنزلوا رتبة عن تلك الدرجة. ثم نزل القرآن بتهجين الشعر، حين شبه الكفار والمنافقون ما نزل من القرآن على رسول الله صلى الله عليه وآله بالشعر.
فأنزل الله عز وجل تكذيبا(4) لقولهم (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) [ياسين: 2694، يعني أن القرآن كلام الله عز وجل، وهو الحق الذي لا يشوبه باطل، والصدق الذي لا يخالطه كذب، بل هو حكمة بالغة، منزهة عن أقوال الشعر وتخرص(5) الشعراء. وصان عز وجل رسوله صلى الله عليه عن إنشاد الشعر، ضلا عن قيله، لكي لا يختلط كلام الله عز وجل بالشعر، فلم يقل شعرا قط، ولا رواه. وقد روي في الحديث أنه صلى الله عليه تمثل ببيت طرفة: [الطويل] (1) أبو جلدة شاعر كوفي كان مقربا من الحجاج، ثم اشترك في انتفاضة ابن الأشعث، وجيء برأسه إلى الحجاج. انظر: الشعر والشعراء لابن قتيبة 723/2، والأغاني 209/11 .
(2) الأغاني 209/11، وشعر أبي جلدة في "شعراء أمويون" ص 337، والحواريات : نساء الأمصار. وانظر مادة (الحواري) لاحقا.
(3) هكذا في ب، وفي م وأخواتها : أول ما نشأ الشعراء.
(4) في ب: مكذبا.
(5) التخرص : الافتعال والكذب.
Página 122