يتذكر السائق حديثا نبويا يقول: من رأى أحدكم منكرا فليغيره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وهذا أضعف الإيمان. - أيمكن أن يكون سعادة الباشا الأمير ضعيف الإيمان؟!
يزحف هذا السؤال داخل رأسه الثابت فوق عنقه، لا يملك الجرأة على تحريك رأسه ناحية اليمين أو اليسار؛ لأن رأس الأمير خلفه مباشرة.
يفضل السائق أن يجلس خلف سيده وليس أمامه، لكن رئيس الجناح العسكري هو الذي يحدد أين يجلس كل من الحراس. أكثرهم خبرة كان يجلس في الصفوف الخلفية خلف الأمير؛ لحماية ظهره إن انطلق الرصاص، وكان الرصاص ينطلق غالبا في الظهر، نادرا ما كانت تأتي الطعنات من الأمام. وإن أتت من الأمام؛ فإن رأس السائق محمود تصدها عن رأس الأمير دون شك.
يطرد السائق السؤال من رأسه، دون أن يحرك رأسه. قد يدرك الأمير ما يدور في عقل السائق الباطن؛ لأن الأمير على صلة دائمة بالله، والله يعلم ما في العقول وما في الصدور وما في البطون. لكن السؤال يلح ويسري في عروق السائق مع الدم، من قمة الرأس حتى بطن قدميه، يدرك عن يقين أن سيده الأمير قد وقع في شرك هذه الغانية، هذه الزانية بنت الزانية: إن كيدهن شديد، كما قال الله سبحانه وتعالى عن النسوة. هذه العاهرة لوثت سمعة الأمير الطاهرة، لا يوسخ الرجل الصالح المؤمن إلا المرأة. النظافة من الإيمان والوساخة من النسوان، كما سمع من أبيه وجده، لو كان الأمر بيده لأخرج المسدس من جيبه وأطلق عليها الرصاص، لكن الأمر بيد الأمير، والأمير رجل مثلنا نحن الرجال في نهاية الأمر، إن هاج ذكره فقد ثلثي عقله.
كان رئيس القسم الثقافي في المجموعة غير راض عن سلوك الأمير، يحذره من حضور الاجتماعات العامة في مجال السياسة والدين. فما بال حضور الحفلات في المسرح والأوبرا؟!
لكن الأمير كان في مرتبة أعلى من مسئول الثقافة؛ فهو مسئول الجناح العسكري، تحت سيطرته قوة السلاح والمال، لا يملك مسئول الثقافة إلا كلمات في الهواء أو فوق الورق، ما عدا كلمة الله، دون الكلمات الأخرى. كانت كلمة الله تتبع الجناح العسكري وليس القسم الثقافي؛ لأن شعار الجمعية المصحف والسيف. يعلق كل رجل منهم مصحفا صغيرا من الذهب فوق صدره، وفي جيبه الخلفي فوق الألية اليمنى مسدس أسود اللون؛ حل المسدس محل السيف مع تطور السلاح العسكري على يد الكفرة. في يده اليسرى تتلاعب حبات السبحة الصفراء، فوف جبينه الزبيبة السوداء، واللحية الكثيفة مع الشنب الغزير الشعر تخفي وجهه كالنقاب الأسود، تطل منه المقلتان الصغيرتان السوداوان، تدوران داخل الفراغ، داخل الثقبين بغير قاع.
تحول شعار المجموعة من المصحف والسيف إلى شريعة الله والمسدس. يحتاج الدين دائما إلى قوة عسكرية تحميه، لم ينهض في التاريخ دين من الأديان دون القوة الحربية، تحتاج القوة العسكرية دائما إلى إله أو دين يحميها. يتمشى الأمير بين جنوده منفوشا كالديك الرومي، يقول عنهم: جند الله، وهو مندوب الله، اختاره الله لهذه المهمة المقدسة؛ أن يرفع كلمة الله فوق كلمة البشر، أن ينقذ أحكام الله وشريعته باللطف، أو بالعنف إن لزم الأمر.
ورث أحمد الدامهيري إيمانه بالله عن أبيه فضيلة الشيخ، وورث عن عمه اللواء العسكري الإيمان بالسلاح والبوليس، وورث عنهما أيضا القامة القصيرة والخوف من الفئران والصراصير، والضعف أمام الشهوات والنزوات، والجواري والإماء ومن ملكت اليمين.
امتلك الأمير بيمينه ما يشاء من النساء العفيفات المحصنات والغواني العاهرات، العذراء البكر الغريرة، والثيب فاقدة العذرية الخبيرة بالرجال وألاعيب الجنس، الأرملة والمطلقة بينونة صغرى أو كبرى، الناضجة نضج الثمرة الساقطة من الشجرة، والمراهقة والطفلة التي لم تبلغ الحيض. وإن أعجبته امرأة متزوجة تخلى عنها زوجها طواعية لوجه الله لتهب نفسها للأمير؛ فالله قد أحل للأمير ما يشتهي من النسوة. الأمير يرتفع عن الرجال درجة، كما يرتفع الرجال عن النساء درجة. خلق الله البشر درجات، أعلاهم درجة النبي أو الرسول، يليه الأمير، يحق للأمير أن يملك من النساء ما يشاء.
تهب بدور الدامهيري من نومها مذعورة، ترى ابن عمها أحمد الدامهيري جالسا في مقعده، متسمرا في المقعد الخشبي شاخصا إلى الأمام، محملقا في دائرة الضوء المتحركة فوق خشبة المسرح. تعرفه منذ الطفولة، إن أراد أن يملك دمية من لعبها يملكها، إن لم يملكها يسرقها، إن لم يسرقها يحطمها. ذات يوم أعجبته عروس من عرائسها الصغيرة، عيناها كبيرتان لونهما أزرق، خرزتان زرقاوان لامعتان في وجهها الأبيض المستدير، اشتغلت لها أمها ثوبا رقيقا من الدانتلا، وقميصا داخليا من الحرير، وسروالا ورديا شفافا يشف بطنها الأبيض الناعم، تسميه أمها الكيلوت. أدخلت أمها قدمي العروسة الصغيرتين في حذاء من القطيفة الخضراء، كانت بدور تخفي عروستها في دولابها تحت الملابس، تخبئها بعيدا عن عيون الأطفال خاصة عيني أحمد الدامهيري. كان طفلا مثلها في الثامنة من العمر، يلعب معها تحت السرير لعبة العريس والعروسة، يرقبها حين تخفي عروستها داخل الدولاب، وحين تخرجها خلسة من تحت الملابس، تدير الزنبرك في جنبها الأيسر ثلاث دورات، تنبعث الموسيقى الراقصة من بطنها، تبدأ الدمية في تحريك ذراعيها وساقيها على الإيقاع، ترقص وتغني: اتمختري يا حلوة يا زينة يا عروسة يا زاينة الزفة ...
Página desconocida