Zaytuna Wa Sindiyana
الزيتونة والسنديانة: مدخل إلى حياة وشعر عادل قرشولي مع النص الكامل لديوانه: هكذا تكلم عبد الله
Géneros
ليس هناك حرب عادلة وأخرى ظالمة. الحرب هي الحرب. ولا بد في هذا الزمن المجنون - زمن القنابل النووية والأسلحة الكيماوية والبيولوجية - لا بد من إدانتها والحيلولة دون وقوعها أيا كانت دوافعها وأسبابها، إذ يستحيل أن تكون هذه الدوافع والأسباب عادلة أو مقدسة. وعلى الألمان - الذين يتمتعون بسمعة طيبة في العالم العربي، ولا يرزحون تحت عبء تاريخ استعماري - عليهم أن يتحملوا مسئوليتهم، ويقوموا بدورهم في إيجاد حل سلمي دائم وعادل للصراعات المحتدمة في المنطقة العربية، التي اصطلح خطأ على تسميتها بالشرق الأوسط.
لم تنته التمثيلية المكشوفة، ولم يسدل الستار بعد. والشاعر الذي ما فتئ - كما سبق القول - ينظر للآخر ويتعاطف معه، ويتمعن فيه ببطء، هو نفسه الذي ما يزال يحاول مد جسور التواصل والتفاهم والاحترام المتبادل، والحوار العاقل البناء بين البلاد واللغات والحضارات - وهو ما يزال يردد - كما جاء في قصيدة المتجول، من ديوانه الأول «كحرير من دمشق»: «المودة تجلب للربيع ابتسامته، للجائع طحينه، وللعطشان عزاء وماء، تجلب له كنز السعادة، كنز السعادة، وما يزال صوته كشاعر يحمل نبرة الأنبياء ورسالتهم الخالدة. هل سيسمعه البشر الذي ينطق صوته بعذابهم ؟ وهل سيسقط المطر الخير كما يتمنى، أم تستمر اللعبة الدامية - خصوصا على خشبتنا - دون أن ينتبه الجمهور، ويقاوما ويوقف العرض؟» «أعلم تماما أن محاولتي كشاعر لتغيير شيء في هذا العالم محاولة محدودة جدا. ومع ذلك يمكن أن تتسبب في وقت من الأوقات في ارتفاع موجة عالية». هذا ما قاله الشاعر في أحد أحاديثه. وأعتقد أن كل من يشاركه الإيمان بقيمة الكلمة (الفعل) التي يوجهها ضمير فني، وإنساني صادق ونزيه - يمكن أن يشاركه هذا التفاؤل، ويرفع معه راية الأمل. (ط) حاصر الوحش الإسرائيلي بيروت (1982م)، وقفت جيوشه ودباباته ومدافعه - كالهولي الإغريقية المجنحة، والطاهش المخيف في الحكايات الخرافية اليمنية - على أسوار المدينة المنكوبة لتمنع الدخول إليها، أو الخروج منها - لا، بل لتجبر أبناء فلسطين الذين لجئوا إليها - بعد مطاردات لم تهدأ كلابها المسعورة التي لاحقتهم من الناصرة إلى نابلس، ومن نابلس إلى إربد، ومن إربد إلى صور، ومن صور إلى بيروت؛ لتجبرهم على الخروج من آخر معاقلهم، لكن إلى أين؟
تورمت سماء بيروت بدخان الحرائق، وتلبدت فوقها سحب الرعب، ودوت طلقات الرصاص، وانفجارات القنابل، لتصنع الجحيم - في الوقت الذي راحت فيه أيادي الحقد والغدر تنسج خيوط أفظع جريمة، وأبشع مجزرة في النصف الأخير من القرن العشرين - على كثرة الجرائم والمجازر التي ارتكبت فيه أخذت الأيدي القذرة تنسج من بعيد، وتركت التنفيذ - ويا للعار! - لأياد عربية راحت تحفر أبشع قبر جماعي لنفوس وأجساد عربية حية. تلك هي محرقة صبرا وشاتيلا التي دبرها النازيون الجدد، وتهون بالقياس إليها محارق النازيين القدامى. خطط لها الإرهاب الإسرائيلي، ونفذها الإرهاب الكتائبي (راجع تفاصيلها المخيفة في رواية بهاء طاهر الرائعة: الحب في المنفى).
ماذا يفعل الجذر العربي الضارب في أرض الساكسون البعيدة، وقد زلزلته محنة الأهل وشرخته، وجرحته أوجاع أبناء الوطن؟ هل يملك إلا أن يطلق صرخاته الخرساء، وينزف دماءه الشعرية لتصب في الجرح الفلسطيني النازف أبدا في كل قلب عربي؟ وماذا يملك شاعر مغترب أمام سيل الصور المروعة والمرعبة التي تنشر في الصحف، وتبث على الشاشات، وترج حتى ضمائر الذين خرس صوت ضميرهم، ودفن تحت طبقات وطبقات من التبلد والتعالي واللامبالاة والغطرسة؟
ها هو الشاعر يطلق صرخته، أو يسجل صوت الصرخة الخرساء: «أي عيون أطلقت هذه الصرخة الخرساء، أهي زوجة أم أم؟ ومن الذي بقي على قيد الحياة؟ ويختلط عليه الأمر فيتساءل: أم أنني أنا الذي أصرخ؟ ويستمر الحصار. وتمر الأيام بطيئة وثقيلة كخطوات تنين يفح الحريق والخراب.
النار تطلب بيروت لآخر رقصة، وعلى الحد الفاصل بين شظايا القنابل وطلقات الرصاص، صرخة فزع لطفل وعين يقظة لبندقية، وبين موت وموت، تقفون الآن يا أهلي هناك وأحبابي، فيما أرجو أحياء ... نعم، تقفون وقفة جذع الشجرة التي تغني أغنية المهد لورقة الخريف، وتبشر بمقدم الربيع وهي شامخة القامة ما تزال.»
ويرد الشاعر - على لسان أحد الناجين القليلين من المجزرة - على المتشدقين في أجهزة الإعلام بمحارق اليهود، والمتسولين بها الشفقة والعملات الصعبة، أولئك الذين يحشون بنادق كلماتهم العدوانية بحروف «آوشفيتس»، أو غيره من معسكرات الاعتقال النازية، فيقول لهم:
لا تصوبوا فوهات هذه البنادق نحوي،
لا تصوبوها نحوي أنا،
فأنا أيضا نجوت من جحيم.
Página desconocida