وقال: «إلى اللقاء يوم الإثنين.»
وانطلقت كاثي بالسيارة موقنة أن الجميع مجانين. كان العيش في مدينة كهذه جنونا، والفرار الآن منها جنون، وترك زوجها وحيدا في منزل يقع في مسار الإعصار جنون.
ولوحت له بيدها، ولوح الأطفال بأيديهم، وظل زيتون واقفا يلوح في مدخل المنزل حتى ذهبت أسرته.
وانطلق زيتون للانتهاء من باقي مواقع العمل التي يتولاها. كانت النسائم تهب والسحب المنخفضة تغشاها بقع بنية ورمادية، وكانت المدينة في فوضى، وآلاف السيارات على الطرق، والمرور أشد سوءا مما توقع، كان يلمح أضواء الفرامل، ويسمع أبواق السيارات، ويرى بعضها يسير مضيئا الأنوار الحمراء، فسار في شوارع لن يسير فيها الخارجون من المدينة.
وفي وسط المدينة كان مئات الأشخاص يسيرون إلى مبنى القبة الكبيرة، حاملين البرادات والبطاطين وحقائب الملابس، ودهش زيتون من ذلك، فالتجارب السابقة في استخدام الاستاد ملجأ قد فشلت، وباعتباره من رجال المعمار كان قلقا على سلامة السقف؛ هل يستطيع الصمود حقا للرياح العاتية؟ وقال في نفسه إنه لا يقبل الاحتماء في ذلك المكان مهما يدفعوا له من أموال.
وعلى أي حال فلم تكن مثل هذه العاصفة في الماضي تمثل أكثر من عدة ساعات من صراخ الرياح، وسقوط بعض الأشجار، وارتفاع الماء قدما أو قدمين، وبعض الأضرار الطفيفة التي يمكن إصلاحها بمجرد هدوء الريح.
كان يشعر من الآن بالاطمئنان؛ إذ سرعان ما تخلو نيو أورلينز من السكان إلى حد كبير، وكان الوجود في المدينة الخالية دائما ما يشيع الشعور بهدوء البال على الأقل يوما أو يومين. واستمر في جولاته، وقام بتأمين المواقع القليلة الباقية، ووصل إلى البيت قبيل السادسة مساء.
واتصلت به كاثي في السادسة والنصف.
قالت إنها محشورة في زحام المرور على مسافة بضعة أميال خارج المدينة. وكان مما يزيد الأمر سوءا أنها ضلت الطريق الصحيح بسبب اضطرابها وأعداد السيارات الهائلة بصورة غير مسبوقة، فبدلا من السير في طريق أ-10 غربا للوصول مباشرة إلى باتون روج، انحرفت في الطريق أ-10 شرقا، ولا تجد ما يمكنها من تصويب ذلك الخطأ، بل أصبح عليها أن تعبر بحيرة «بونشارتران» ثم تعود القهقرى من جديد خلال مدينة «سليدل» وعبر الولاية. كان معنى هذا إضافة ساعات إلى زمن الرحلة، كانت تشعر بالضيق والإرهاق والرحلة لم تكد تبدأ.
كان زيتون يجلس في المنزل، واضعا قدميه على المنضدة، ويشاهد التليفزيون، وحرص على إخبارها بذلك.
Página desconocida