وحينما جاءوا باغتوا جيش طاهر ليلا وقتلوا كثيرا منه، ولما علم طاهر نظم الجيش، وحارب حربا ضارية، وأخيرا قتل عبد الرحمن وأرسل رأسه إلى المأمون، ثم أرسل (الأمين) محمد بن يزيد 18 وعبد الله بن حميد بن قحطبة على رأس أربعين ألف رجل، فنزلوا فى خانقين 19 على بعد منزل واحد من مدينة حلوان، فاحتال طاهر وأوقع الخلاف بينهم (فقال):" إن الأمين فى بغداد يمنح حشمه المال، أما أنتم فقد أبعدكم ليخاطر بأرواحكم" فرجعوا، واستولى طاهر على حلوان. وأرسل الخبر إلى المأمون فثارت الرعية فى بغداد، وحرض حسين بن على بن عيسى 20 الجند، وقال:
لا فائدة من الأمين فهو مشغول بالطرب واللهو واللعب، فدخلوا قصر محمد الأمين، وأخرجوه منه وأجلسوه فى قصر زبيدة، ووضعوا القيود فى أرجله، وأخذوا البيعة للمأمون، وحينما طلب الجيش حق البيعة قال حسين: اسأل الخليفة المأمون، فقالوا:
لا نريد، وثاروا وأخرجوا محمد الأمين وأعطوه الخلافة مرة أخرى؛ وفكوا قيده، وأوثقوا حسينا. ثم مضت مدة وقدم طاهر على أبواب بغداد، وقدم هرثمة (من ناحية أخرى) أمام طاهر، وحاصروا بغداد على الأمين، وظلوا يديرون الحرب كل يوم، وكثر القتلى، حتى ضاقت المدينة على الناس ونصبوا المنجنيق، ودخلوا بالتدريج حتى وصلوا إلى قصر الأمين، ووصل الأمر إلى حد أنه لم يبق طعام فى قصر الأمين، وظل الأمين مع نفر من خاصته متحيرا، لا يساعده أهل المدينة ولا الموالى، فكتب رسالة إلى هرثمة (يقول له): إنى قادم إليك. فأجابه هرثمة، فخرج الأمين بجانب دجلة، وركب زورقا فعلم طاهر، فحاصر سواحل دجلة، وأمر فضربوا الزوارق بالحجارة حتى كسر زورق الأمين وهرثمة، وقبض ربان الزورق على هرثمة، وغاص الأمين فى الماء. وكان يجيد السباحة، فخرج إلى الشاطئ سابحا فقبض عليه غلام من غلمان طاهر، وأخبر طاهرا (بالأمر)، فأمر طاهر الغلام أن يحمله إلى خيمته، وأرسل من قطع رأسه، وأحضرها إلى طاهر، الذى أرسلها (بدوره) إلى المأمون. وفى اليوم التالى شاع ذلك الخبر بين الجند، وفى مدينة بغداد. وأمر طاهر فنادوا فى بغداد:" أنتم آمنون مطمئنون".
فأمنوا جميعا، وخرجوا، وفتحوا الأبواب، واستراح الخلق، وسلموا من أذى الجند.
Página 130