ولما قام أبو مسلم بكل هذه الأعمال وتمت على يديه كل هذه الأمور لم يسر هذا كله المنصور وخاف على نفسه منه، وعاد ذات يوم إليه وعنفه كثيرا وغضب عليه، وأمر فقتلوه أمامه. وكان أبو العباس قد جعل على بن عيسى وليا للعهد بعد المنصور فلم يرض المنصور بهذا، وأراد أن تسترد البيعة من على بن عيسى وأن يجعلها لابنه أبى عبد الله محمد المهدى، فاحتال كثيرا، ووسط الناس وأغرى على بن عيسى بالمال والولاية فلم يستجب ولم يخلع نفسه، فشغل أبو جعفر بتدبير الحيل حتى يقضى على على بن عيسى، فسلم عبد الله بن على لعلى بن عيسى وقال له: اقتل هذا؛ لنأمن أنا وأنت. فأخفاه على بن عيسى وقال: قتلته، وبايع المنصور بنو هاشم حتى يطلبوا منه عبد الله، وتشفعوا فيه فأجابهم وقال: اطلبوه من على بن عيسى، فقال على: لقد قتلت عبد الله بأمر أمير المؤمنين. فأنكر المنصور، وقال: أنا لم آمره، ففعلوا الكثير من الشغب، وأمسكوا بتلابيب على بن عيسى. وقال المنصور: افعلوا ما تريدون. فاستلوا السيوف، وأرادوا القصاص من على بن عيسى، فأتى على أمام المنصور وقال: لقد مكرت جيدا يا أمير المؤمنين، ولكن اذهبوا وأتوا بعبد الله حيا، ثم سلمه للمنصور؛ فقال المنصور لعبد الله: يا عم لو أراقوا دماءك، لأرقت دماء عشرة آلاف. ثم قال له: ادخل هذا المنزل لأحدثك، فدخل المنزل ولم يره إنسان بعد ذلك. وفعل أبو جعفر كل أنواع الحيل حتى قبل على بن عيسى وخلع نفسه، وأخذ المنصور البيعة للمهدى، وأرسل لعلى بن عيسى عشرة آلاف صرة ألف ألف درهم، ووهبه الضياع والخلع النفيسة، وأعطاه إمارة الكوفة. وحينما فرغ قلبه من أمر على أتم بناء بغداد، وأقام جسرا، وأحاط البصرة والكوفة بأسوار جبى أموالها من أهل تلك المدينتين، وبنى للمهدى قصرا فى الرصافة، ونصحه نصائح طيبة، وفى ذلك الوقت غضب على خالد بن برمك وصادر له ثلاث صرر ألف ألف درهم.
وفى عهده ثار الخوارج فى أذربيجان، فبعث بخالد بن برمك ليخمد هذه الفتنة، وفى خراسان خرج إستادسيس 3 على رأس ثلاثمائة ألف رجل فأرسل المنصور المهدى ليقضى على هذه الفتنة، وخرج عبد الله بن الأشتر من بست ورخود 4 وجهر بالدعوة ولكنه هرب أخيرا، ودخل بلاد السند وأقام هناك، وأعقب كثيرا، وذهب المنصور إلى الحج، ومرض بالإسهال، ومات بهذا المرض.
المهدى
ولى أبو عبد الله محمد بن عبد الله المنصور الخلافة فى نفس اليوم الذى توفى فيه المنصور، وبايعوه 5 بين الركن والمقام 6، ولم يتهيأ هذا لخليفة غيره مطلقا.
وحينما وصل خاتم وبردة وقضيب رسولنا صلى الله عليه وسلم إلى المهدى مع مبارك مولى المنصور دعا الحشم وأهل بغداد إلى البيعة فاستجابوا جميعا، وقبلوا البيعة. واستن المهدى فى عهده سننا حسنة فتفقد أولا سجن بغداد، وأطلق سراح المذنبين إلا من تآمر ضد الخلافة، أو كان له خصوم يطلبون دمه، كما بنى جيشا عظيما، وأرسله لفتح بلاد الروم.
Página 123