فصل منه
وإنما ذكرت لك مذهب من لا يجعل القرابة والحسب سببا إلى الإمامة، دون من يجعل القرابة سببا من أسبابها وعللها، لأني قد حكيته في كتاب الرافضة، وكان ثم أوقع، وبهم أليق؛ وكرهت المعاد من الكلام والتكرار؛ لأن ذلك يغني عن ذكره في هذا الكتاب، وهو مسلك واحد، وسبيل واحد.
وإنما قصدت إلى هذا المذهب دون مذهب سائر الزيدية في دلائلهم وحججهم، لأنه أحسن شيء رأيته لهم. وإنما أحكي لك من كل نحلة قول حذاقهم وذوي أحلامهم، لأن فيه دلالة على غيره، وغنى عما سواه.
وقالوا: وقد يكون الرجل أفضل الناس ويلي عليه من هو دونه في الفضل، حتى يكلفه الله طاعته وتقديمه؛ إما للمصلحة، وإما للإشفاق من الفتنة، كما ذكرنا وفسرنا، وإما للتغليظ في المحنة وتشديد البلوى والكلفة، كما قال تعالى للملائكة: " اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى ". والملائكة أفضل من آدم، فقد كلفهم الله أغلظ المحن وأشد البلوى، إذ ليس في الخضوع أشد من السجود على الساجد له. والملائكة أفضل من آدم، لأن جبريل وميكائيل وإسرافيل عند الله تعالى من المقربين قبل خلق آدم بدهر طويل، لما قدمت من العبادة، واحتملت من ثقل الطاعة.
Página 317