واستمر الحال هكذا عند علماء المسلمين حتى بداية العصر العباسي حيث حاول الخليفة أبو العباس السفاح ثم أخوه أبو جعفر المنصور أن يحملا عالم المدينة الإمام مالك بن أنس الأصبحي المتوفى 179ه على تأليف كتاب جامع للسنة النبوية ليجتمع الناس عليه ، فلم يوافق الإمام مالك رحمه الله على فكرة حجر الناس على مؤلفه الذي عرف بالموطأ . ومات السفاح ثم المنصور قبل أن يظهر موطأ مالك الذي ظهر في سنة 159ه وكان الرشيد قد رأى أن يعلق الكتاب في الكعبة وأن يحمل المسلمين على مافيه إلا أن مالكا رحمه الله لم يقبل بهذا الرأي وقال للرشيد :إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله قد اختلفوا في الفروع وافترقوا في البلدان وكل عند نفسه مصيب [1]. وقد استمر العلماء أحرارا في أرائهم وفي أفكارهم يستقون العلم من ينابيع الكتاب والسنة حتى عهد المتوكل العباسي المتوفى سنة237ه فتقيدت في عهده أفكار العلماء ، ولم يسمح لها أن تستقي من ينابيع الكتاب والسنة إلا من مشرع واحد ، وبدأ حينئذ التراجع إلى الوراء في كل المجالات الفكرية وما تركز عليها اجتماعيا وسياسيا وغير ذلك [2]. ثم جاء الملك الظاهر بيبرس المملوكي وأصدر قانونا في سنة 663ه حدد فيه إطار القضاء في مصر وحصر القضاء في أربعة مختارين من علماء المذاهب الأربعة وهم : المالكية والشافعية والحنفية والحنبلية؛ ثم طبق هذا القانون في بلاد الشام بعد سيطرته عليها . وبذلك الإجراء سادت فكرة حصر المذاهب الإسلامية على المذاهب الأربعة [3].
وعليه فلم يكن حصر المذاهب الإسلامية على المذاهب الأربعة إلا في النصف الثاني من القرن السابع الهجري. وكان المذهب الزيدي مبعدا عن هذه المذاهب مع اشتهاره لدى العلماء منذ عهد الإمام زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام الذي استشهد سنة122ه. ولعل من أسباب تجاهل المنظم للنظام القضائي في مصر للمذهب الزيدي على عهد الظاهر بيبرس قلة أتباع المذهب في مصر خاصة، أو خوف صانع القرار حينذاك من التنويه به وهو الداعي إلى الثورة على الظالمين بالشروط المبينة في كتبهم، ودعوته كذلك إلى الإرادة والاختيار، وإلى العدل، والتوحيد، والشورى الملزمة للحاكم، وغير ذلك من المبادىء الإسلامية عقيدة وسلوكا والتي سنأتي على توضيحها بصورة مختصرة قدر ما أمكن.
الزيدية الطائفة:-
تطلق كلمة الزيدية على أئمة أهل البيت النبوي الشريف ومن تابعهم أو وافقهم في الاعتقاد: بعدل الله المطلق، وتوحيد الله في ذاته وصفاته دون تجسيم أو تشبيه أو تعطيل، والقول بإمامة الإمام زيد بن علي عليه السلام، ووجوب الخروج على الظلمة بالشروط المبينة في كتبهم، واستحقاق الإمامة بالفضل والطلب لا بالوراثة أو القوة ، وأفضلية الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وأولويته بالإمامة ، والقول بجواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل إذا كان ذلك لعذر [4]. أما ما عداها من الأمور فكل وما أدى إليه نظره.
Página 3