El tiempo en la filosofía y la ciencia
الزمان في الفلسفة والعلم
Géneros
Topology
مثلا، وهي العلم الذي قام لدراسة أخص خصائص المكان من حيث هو مكان؛ أي: العلاقات المكانية المختلفة؛ كعلاقة الجزء بالكل، وعلاقات الاندماج والانفصال والاتصال، التي تعطينا الشكل الثابت للمكان، الذي لا يتغير بتغير المسافات والمساحات والأحجام - هذا العلم قد ماثله بحث في طوبولوجيا الزمان - كما سنرى. وخير مثال فلسفي يوضح كيف أنهما قد يثيران مشكلات واحدة، ويوضح أيضا كيف أنهما إطار لا مخرج منه للوجود وللمعرفة هو التساؤل الشهير: إذا كان للزمان بداية ونهاية، فما الذي يوجد قبله وبعده؟ إذ يماثله ذلك التساؤل: إذا كان للمكان بداية ونهاية، فما الذي يوجد قبل المكان وبعده؟ والمثال هنا الأقرب إلى التفكير العلمي هو هذا التساؤل: هل يمكن أن يوجد زمان خال تماما؟ ومن ثم هل يمكن التفكير في زمان بمعزل تام عن أية أحداث؟ ويماثله مباشرة تساؤل عن تصور مكان خال تماما. وهذه المشكلة تبناها أمير علماء العلم الحديث إسحاق نيوتن في بحثه عن الزمان والمكان المطلقين، فقد أشار في مقدمة كتابه العظيم «مبادئ الفلسفة الطبيعية» (سنة 1687)، إلى أن التفكير العادي لا يتناول الزمان والمكان والحركة إلا من حيث علاقتهما بالأشياء المحسوسة، وأنه لا بد من نبذ هذه الطريقة لكي نخرج من معلوماتنا الحسية بتجريد، يمثل أساسا ولبنة للعلم، فكان أن فعل وخرج بمفهوم للزمان والمكان المستقلين عن كل شيء والثابتين دائما أو المطلقين. ويوضح لنا عالم الفلك والفيزياء وفيلسوف العلم جيمس جينز أن العلم يطرح أربعة معان متميزة للمكان يقابلها أربعة معان متميزة للزمان؛ هي: المكان التصوري، والمكان الإدراكي، الحسي، والمكان الفيزيائي، والمكان المطلق. يقابلها: الزمان التصوري، والزمان الإدراكي الحسي، والزمان الفيزيائي، والزمان المطلق.
2
وكقاعدة عامة، يتصور الفيزيائي الزمان بالطريقة نفسها التي يتصور بها المكان؛ فهو يفترض أن كليهما متصل قابل للقياس، وتتخذ كل أحداث الطبيعة موقعا فيه. وكما تعامل الهندسة - علم قياس المكان - المكان في حدود نقاط وعلاقاتها، يعامل الكرونومتري
Chronometry - علم قياس الزمان - الزمان في حدود لحظات وعلاقاتها. وكما أن الوعي لا يتلقى نقاطا لا امتداد لها، فإنه لا يتلقى لحظات لا ديمومة لها. والعلاقات المكانية تماثل - صوريا - العلاقات الزمانية، ولكن المكان فكرة على قدر من البساطة، ويتعامل العلماء معه بسهولة، أما الزمان والحركة فموضوع شديد التعقيد.
3
إن المكان كائن دائما في المكان، أما الزمان فيتدفق في قلب الزمان؛ فلا بد إذن أن الزمان يتوغل في مستويات فلسفية وعلمية أبعد، لا يطولها المكان. •••
فعلى الرغم من كل ما رأيناه من ارتباط الزمان والمكان، فإنهما ليسا البتة على قدم المساواة، وليسا متساويين أو متكافئين، بل كان الزمان دائما - من وجهات النظر المختلفة - متميزا عن المكان ومتقدما عليه، حتى إن صمويل ألكسندر الذي رأى أنهما ندان لا ينفصلان، وأكد فلسفيا ما أكدته النظرية النسبية علميا من أنه لا يوجد مكان مستقل أو زمان مستقل، بل ثمة فحسب زمانيات مكانية تستلزم زمانا-مكانا أوليا تنبثق عنه كل الأشياء؛ عاد بعد هذا ليعلي من شأن الزمان بوصفه مبدأ تنظيم، لولاه لكان المكان كتلة مصمتة. وبتعبير مجازي يقول إن المكان جسد الكون والزمان عقله، وليس هذا ببعيد عن الثنائية التي أرساها أبو الفلسفة الحديثة ديكارت بتفرقته الحاسمة بين المادة أو الجوهر الممتد، والعقل أو الجوهر المفكر.
وإيمانويل كانط أيضا، وهو من أكثر الفلاسفة عناية بالربط بينهما، وقد ذهب إلى أن الفارق الوحيد بينهما هو أن الزمان يقوم على التوالي بمعنى التعاقب بين الأحداث وفقا للسببية، أما المكان فيقوم على التتالي بمعنى التجاور وفقا لعلم الهندسة. نقول إن كانط أوضح أن المكان هو شكل تجربتنا الخارجية، أما الزمان فهو شكل تجربتنا الداخلية. ولكن العالم الخارجي - كما تنص فلسفة كانط النقدية - لا ينفصل البتة عن الشروط الداخلية في العقل الذي يتصوره. لذا عاد كانط في نقد العقل الخالص ليقدم الزمان على المكان ويعتبره الأعم والأشمل؛ لأن المكان مقصور على الظواهر الخارجية وحدها، أما الزمان فهو الشرط الصوري القبلي لجميع الظواهر بوجه عام، ومن ثم فإن له - دون المكان - «علاقته الوثيقة بالعالم الداخلي للانطباعات والانفعالات والأفكار. والزمان بهذا الوصف هو معطى من معطيات الوعي المباشر، وهو أكثر حضورا من المكان، بل من أي تصور آخر كالسببية أو الجوهر، فكأنه لا خبرة هناك إلا إذا كانت تتسم بطابع زماني.»
4
Página desconocida