ألا لا أرى مثلَ الهوَى داءَ مسلمٍ ... كريمٍ ولا مثلَ الهوَى ليمَ صاحبُهْ
وقال أيضًا:
أمنزلتَيْ ميٍّ سلامٌ عليكما ... هلِ الأزمنُ الَّلاتي مضيْنَ رواجعُ
وهلْ يرجعُ التَّسليمَ أوْ يكشفُ العمى ... ثلاثُ الأثافي والدِّيارُ البلاقعُ
توهَّمْتها يومًا فقلتُ لصاحبي ... وليسَ بها إلاَّ الظِّباءُ الخواضعُ
قفِ العيسَ تنظرْ نظرةً في ديارها ... وهل ذاكَ من داءِ الصَّبابةِ نافعُ
فقال أما تغشى لميَّةَ منزلًا ... من الدَّهر إلاَّ قلتَ هلْ أنتَ رابعُ
وقال أبو تمام:
أوَ ما رأيتَ منازلَ ابنةِ مالكٍ ... رسمتْ لهُ كيفَ الزَّفيرُ رسومُها
وكأنَّما ألقى عصاهُ بها البِلى ... من شقَّةٍ قُذفٍ فليسَ يريمُها
والحادثاتُ وإنْ أصابكَ بؤسُها ... فهوَ الَّذي أنباكَ كيفَ نعيمُها
فلقَبلُ أظهرَ صقلُ سيفٍ إثرَهُ ... فبدا وهذَّبتِ القلوبَ همومُها
وقال البحتري:
أمحلَّتَيْ سُلمى بكاظمةَ اسلما ... وتعلَّما أنَّ الجوى ما هجتُما
أبكيكُما دمعًا ولو أنِّي علَى ... قدرِ الجوى أبكي بكيتُكُما دما
طللا أُكفكفُ فيهِ دمعًا مُعربًا ... بجوًى وأقرأُ منهُ خطًّا أعجما
تأبى رُباهُ أنْ تُجيبَ ولم يكنْ ... مُستخبرًا ليُجيبَ حتَّى يفهما
وقال أيضًا:
يا يومُ عرِّجْ بلْ وراءكَ يا غدُ ... قدْ أجمعوا بينًا وأنتَ الموعِدُ
في كلِّ يومٍ دمنةٌ من حُبِّهمْ ... تُقوي وربعٌ بعدهُمْ يتأبَّدُ
دمِنٌ تقاضاهنَّ أعلامَ البِلى ... هوجُ الرِّياح البادياتُ العُوَّدُ
حتَّى فنينَ وما البقاءُ لواحدٍ ... والدَّهرُ في أطرافهِ يتردَّدُ
وقال أبو تمام:
ديارٌ هراقَتْ كلَّ عينٍ شحيحةٍ ... وأوطأتِ الأحزانَ كلَّ حشًى جلْدِ
فعوجا صدورَ الأرْحبيِّ وأسهلا ... بذاكَ الكثيبِ السَّهلِ والعلَمِ الفرْدِ
فلا تسألاني عن هويٍّ طُعمتُما ... جواهُ فليسَ الوجدُ إلاَّ منَ الوجدِ
وقال البحتري لنفسه:
لا دمنةٌ بلِوى خبْتٍ ولا طللُ ... يردُّ قولًا علَى ذي لوعةٍ يسلُ
إنْ عنَّ دمعكَ في إثرِ الرُّسومِ فلمْ ... يصبْ عليها فعندي مدمعٌ ذللُ
هلْ أنتَ يومًا مُعيري نظرةً فترى ... في رملِ يبرينَ عيرًا سيرُها رملُ
شبُّوا النَّوى بحُداةٍ ما لها وطنٌ ... إلاَّ النَّوى وجِمالٍ ما لها عقُلُ
وقال ذو الرمة:
يقولُ بالزُّرقِ صحبي إذْ وقفتُ بهمْ ... في دارِ ميَّةَ استسقي لها المطرا
لو كان قلبكَ من صخرٍ لصدَّعهُ ... هيجُ الدِّيارِ لكَ الأحزانَ والذِّكرا
وزفرةٌ تعتريني كلَّما ذُكرتْ ... ميٌّ لهُ أوْ نحا من نحوها البصرا
ما زلتُ أطردُ في آثارهِمْ نظري ... والشَّوقُ يقتادُ في ذي الحاجةِ النَّظرا
وقال أيضًا:
عرفتُ لها دارًا فأبصرَ صاحبي ... صحيفةَ وجهي قدْ تغيَّرَ حالُها
فقلتُ لنفسي من حياءٍ رددْتُهُ ... إليها وقد بلَّ الجفونَ بَلالُها
أمِنْ أجلِ دارٍ طيَّرَ البينُ أهلَها ... أيادي سبا بعدي وطالَ احتيالُها
فؤادكَ مبثوثٌ عليكَ شجونهُ ... وعينكَ يعصي عاذليكَ انهمالُها
وقال الراعي:
ألا أيُّها الرَّبعُ الخلاءُ مشاربُهْ ... أشِرْ للفتى من أينَ صارَ حبائبُهْ
فلمَّا رأينا أنَّما هوَ منزلٌ ... وموقدُ نارٍ قلَّما عادَ حاطبُهْ
مضيْتُ علَى شأني بمرَّةِ مُخرجٍ ... عنِ الشَّأوِ ذي شغبٍ علَى من يحاربُهْ
ولبعض أهل هذا العصر:
أتهجرُ منْ تحبُّ وأنتَ جارُ ... وتطلبهُمْ وقدْ بعُدَ المزارُ
وتسكنُ بعدَ نأيهمِ اشتياقًا ... وتسألُ في المنازلِ أينَ ساروا
تركْتَ سؤالهُمْ وهمُ جميعٌ ... وترجو أنْ تُخبِّركَ الدِّيارُ
فأنتَ كمُشتري أثرٍ بعينٍ ... فقلبكَ بالصَّبابةِ مُستطارُ
فنفسكَ لُمْ ولا تلمِ المطايا ... ومُتْ أسفًا فقد حقَّ الحذارُ
سمعتَ بنأيهُمْ وظللْتَ حيًّا ... فقدتُكَ كيفَ يُهنيكَ القرارُ
1 / 84