قال أحمد: الذي أنبأك به قول له فيه وفي سائر آرائه مذهب أنا مخرج لك جمله، فلنبدأ ببعض ما أتي به بعض تلامذة الشيخ أفلاطون: فمنهم غلوقن.
فيقول: إن من رأي الأوائل أن ما بين الاجتماع والاستقبال القوة للقمر، وبين الاستقبال والاجتماع القوة للشمس. فكل أمر من الأمور التي يستولي عليها هذان الكوكبان يكون الأثر للكوكب في أوان قوته واستيلائه أكثر.
فيقول الفيلسوف: إن الاختيار لأوان التحليل بعد الاجتماع، والتعقيد بعد الاستقبال. وقد تكلم في هذا النوع تلامذة الشيخ وأكثروا القول وخطئوا الفيلسوف في رأيه هذا. وذلك أنهم رأوا أن القوة تنجذب إلى العلو بعد الاجتماع أكثر منه بعد الاستقبال، واحتجوا في ذلك بالمد والجزر وغير ذلك من القوى الطالبة للعلو.»
146
إذن الغاية من هذه الحوارية الخيالية بين أحمد وأفلاطون القول: إن ظاهرة المد والجزر تزداد عندما يحدث ما يسمى بعلم الفلك (الاجتماع) بين جرمين وأكثر مع الأرض، كأن تصبح الشمس والقمر والأرض على خط مستقيم واحد، عندها، وهذه حقيقة صحيحة، يصبح المد أعظميا فيجذب مياه البحار والمحيطات للأعلى على أحد طرفي كوكب الأرض، في حين أنه يحدث جزرا أعظميا على الطرفين المقابلين، وهو ما يؤكد فعل الجاذبية على الأرض. (10-3) مؤلف مجهول (4ه/10م) أو (5ه/11م)
يرى مؤرخ العلوم فؤاد سزكين أن أوسع معالجة لظاهرة المد والجزر قد وصلت إلينا هي تلك التي وضعها مؤلف مجهول في مخطوطة موجودة في مكتبة الإسكوريال (1636/2، 100ظ-117ظ، 588ه). حيث حاول المؤلف أن يوضح كلامه بأشكال فلكية ورسوم جغرافية. تتألف هذه الرسالة من ثلاثين بابا تغطي كافة جوانب ظاهرة المد والجزر. وقد أورد فيها آراء كل من سبقه في الظاهرة ثم ناقشها، وهو يعتقد أنه لا يوجد رأي قد أحاط علما بكل ظواهر المد والجزر.
فقد ذكر أن أسلافه أشاروا إلى أن «جرم القمر للبحر كالمغناطيس للحديد يجذبه إليه، حيثما توجه ومن أي جهة قابله وحاذاه ...» وبالتالي فإن قوة الجذب كانت معروفة حتى عصر المؤلف، وقد وجد ضرورة أن يكمل التفاسير التي حصل عليها، فقال إن فلك القمر يحرك بحركته فلك الهواء، وهو يزيح بدوره كتلة الماء باستمرار، كما أن الماء له أيضا في نفسه حركة أخرى وهي طلب المركز.
147 (10-4) مؤلف مجهول (بعد القرن 14ه/19م)
ينسب هذا المؤلف تأثير المد والجزر إلى نور القمر، وواضح تأثره بنظرية الكندي. حيث قال: «إذا كان القمر زائدا في النور أو صاعدا في ربع الفلك فهو يزيد الأشياء بماء، وإذا كان هابطا ناقصا فالقول ينعكس فيه، وإذا كان زائدا يكون النشوء والنماء في النباتات والحيوانات وذوي الأنفس وبالعكس ... أيضا في حال المد والجزر إذا صعد القمر في وسط السماء فأخذ القمر في المد، وإذا هبط في الغرب رجع الماء ويكون الجزر.»
148
Página desconocida