مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
قال أبو منصور: محمد بن أحمد بن الأزهر الأزهري ﵀:
الحمد لله الهادي لمن يشاء بفضله المضل لمن يشاء بعدله، الموضح لنا سبيل الرشاد الموفقنا للسداد حمدا يقتضي مزيد أفضاله ويمترى كريم إحسانه وإياه أسأل التوفيق للصواب أنه خير موفق ومعين.
أما بعد: فاني لما كثر تصفحي لجوامع آيات التنزيل وما أودعها الله تعالى من البيان الذي لا يستغنى عنه عباده ثم ما درسته من سنن المصطفى ﷺ المبينة جمل تلك الجوامع ومن آثار صحابته ﵃ وأخبار التابعين لهم باحسان ما ازددت به بصيرة فيما علمناه من الكتاب عطفت على النظر في المؤلفات التي صنفها فقهاء أمصار المسلمين من الحجازيين والعراقيين وغيرهم من الأئمه المتقنين وذوي البصائر المميزين فدرستها وأخذت حظى من فوائدها وألفيت أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي - أنار الله برهانه ولقاه رضوانه - أثقبهم بصيرة وأبرعهم بيانا وأغزرهم علما وأفصحهم لسانا وأجزلهم ألفاظا وأوسعهم خاطرا فسمعت مبسوط كتبه وأمهات أصوله من بعض مشايخنا وأقبلت على دراستها دهرا واستعنت بما استكثرته من علم اللغة على تفهمها إذ كانت الفاظه ﵀ عربيه محضه ومن عجمه المولدين مصونة وقدرت تفسير ما استغرب منها فعلمت أني إن استقصيت تخريجها كثر حتى يمل قارئه فأعملت رأيي
1 / 17
في تفسير ما استغرب منها في الجامع الذي اختصره أبو إبراهيم إسماعيل ابن يحيى١ ﵀ من جميعها وزادني رغبة فيما أردته حرص طائفة من المتفقهه على استفادتها غير أني لم أقصد بالذي تحريته المبتدئ الريض دون المرتاض الذي خرجت جوارحه وأعانه ذكاؤه على معارضة المناظرين ومحاورة المميزين بل جعلت لكل منهم فيما كشفته وبينته حظا وافيا وبيانا شافيا والله المعين ولا حول ولا قوة الا بالله عليه أتوكل واليه أنيب.
_________
١ - اسمه: أبو إبراهيم إسماعيل بن يحي بن إسماعيل المصري صاحب الشافعي توفي في ربيع الأول سنة ٢٦٤ هـ
قال فيه الشافعي: " المزني ناصر مذهبي"؛ وكان زاهدًا عابدًا.
انظر: "أعلام النبلاء" ١٢/ ٤٩٢" وهامشه.
وكتابه الذي يشرح الأزهري غريبه مطبوع على هامش "كتاب الأم" المطبوع بدار الشعب.
1 / 18
ما جاء منها في أبواب الطهارات الطهور والغسول والقرور والوضوء
ذكر الشافعي١ ﵀ قول الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ ٢ وفسر الطهور على مقدار فهمه واحتاج من بعده إلى زيادة شرح من باب اللغة فيه فالطهور: جاء على مثال فعول وفعول في كلام العرب يجيء بمعاني مختلفة فمنها فعول بمعنى يفعل به مثل طهور وغسول، قرور، ووضوء فالطهور الماء الذي يتطهر به والغسول: الماء الذي يغتسل به ويغسل به الشيء والقرور: الماء الذي يتبرد به ومن هذا الباب الفطور وهو ما يفطر عليه من الطعام والنشوق وهو ما يستنشق به.
وإذا كان الطهور من المياه ما يتطهر به أو يطهر به ثوب وغيره علم أنه طاهر في ذاته مطهر لغيره والطاهر الذي طهر بنفسه وان لم يطهر غير والطهور لا يكون الا طاهرا مطهرا لغيره وكذلك الوضوء هو الماء الذي يتوضأ به ويوضأ به كل متوضئ وكذلك يقال توضأت وضوءا حسنا اسم وضع موضع المصدر فأما الوضوء - بضم الواو - فإنه لا يعرف ولا يستعمل إلا في المصدر، لا في باب الوضوء بالماء وقد يقال: وضوء الإنسان يوضؤ وضاءة ووضوءا إذا حسن فهو وضيء. ونذكر بعد هذا أقسام الفعول ليستفيدها من أراد معرفتها فمنها فعول بمعنى فاعل وهو أبلغ في الوصف من فاعل كالغفور في صفة الله تعالى وهو الذي يغفر ذنوب عباده أي يسترها بعفوه مرة بعد أخرى والغافر لا يقتضى العود بعد البدء كما يقتضيه الغفور ومن صفات الله تعالى على هذا المثال الصفوح والعفو والشكور.
وقد يقول: رجل صبور إذا كان ذا صبر على ما يبتلى به من البلايا،
_________
١- مختصر المزنى ١/٢ – هامش الأم"
٢- سورة الفرقان، الآية ٤٨.
1 / 19
والصابر دون الصبور ولفظ المذكر والمؤنث في هذا الباب سواء رجل صبور وامرأة صبور بغير هاء فافهمه.
ويجيء فعول بمعنى مفعول كقولهم: بعير ركوب وناقة حلوب وربما أدخلت الهاء في هذا الباب.
وقد يجيء فعول اسما لا صفة كالذنوب وهو النصيب أو الدلو الكبيرة قال الله تعالى: ﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ﴾ ١ أي نصيبا من العذاب.
ويجيء فعول مصدرا وهو قليل من ذلك قولهم قبلته قبولا وأولعت به ولوعا وأوزعت به وزوعا وحكى بعضهم عن يونس النحوي: مضيت على الأمر مضوا وهو نادر قال الشافعي: ﵀: "وما عدا ذلك من ماء ورد أو شجر"٢ معناه: ما جاوز ذلك والعرب تستثنى بما عدا وما خلا فتنضب بهما فاذاحذفوا منهما ما خفضوا وفتحوا كقولهم: جاءني القوم عدا زيد وعدا زيدا وخلا زيد وخلا زيدًا٣، كل ذلك جائز ويقال: قد عداك هذا الامر أي جاوزك يعدوك ومنه الاعتداء وهو مجاوزة الحد والقدر.
قال الشافعي: ﵀ – "في المبسوط": "فان نحر جزورا فافتظ كرشها واعتصر منه ماء لم يكن طهورا". معنى "افتظ": أي اعتصر ماء الكرش وصفاه وسمى ذلك الماء الفظ لغلظه والعرب إذا أعوزهم الماء لشفاههم في الفلوات البعيدة التي لا ماء فيها نحروا جزورا واعتصروا ماء كرشها فشربوه وتبلغوا به وقيل لماء الكرش فظ لغلظه وخبثه ومنه يقال للرجل القاسي القلب فظ وقد فظظت يا رجل تفظ وقد قال الله تعالى ﷿: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ﴾ ٤.
_________
١- سورة الذاريات، الآية ٥٩.
٢- مختصر المزنى ١ / ٣"
٣- انظر: " شرح ابن عقيل على ابن مالك" ٢ / ٢٣٤ – ٢٣٨" واللسان مادة [عدا] .
٤- سورة آل عمران، الآية ١٥٩.
1 / 20
وروى عن النبي ﷺ أنه قال: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" ١ كل جلد عند العرب إهاب وجمعه: أهب وأهب وقد جعلت العرب جلد الإنسان إهابا قال عنتره:
فشككت بالرمح الأصم إهابه ... ليس الكريم على القنا يمحرم٢
أراد رجلا لقيه في الحرب فانتظم جلدته بسنان رمحه فأنفذه وهو الشك ويروى ثيابه أي بدنه وقيل قلبه.
وروى عن النبي ﷺ أنه قال: "الذي يشرب في آنية الفضه انما يجرجر في بطنه نار جهنم" ٣
آنية الفضه جمع إناء مثل كساء وأكسيه ومعنى قوله: يجرجر في بطنه نار جهنم: أي يلقى في بطنه نار جهنم فنصب نار بالفعل بقوله يجرجر وهذا مثل قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾ ٤ فنصب نارً٥ بقوله: يأكلون يقال: جرجر فلان الماء في حلقه إذا جرعه جرعا متتابعا يسمع له صوت الجرجره حكاية ذلك الصوت يقال: جرجر الفحل من الابل في هديره إذا ردده في شقشقته حتى يحكى هديره: جرجرة الفحل ويقال للحلاقيم الجراجر من هذا.
_________
١- صحيح: أخرجه الشافعي في " الأم" ١ / ٧" والترمذي برقم ١٧٢٨" بنفس لفظ الكتاب " أيما إهاب ... " الحديث، ومن حديث ابن عباس وللحديث طرق أخرى عنه متفق عليه.
٢- البيت من معلقته وهي في " ديوانه " ص ١٢٤" وشرح المعلقات السبع للزوزني ص ١٧٦ – طبعة مكتبة صبيح/ والبيت فيه تحريف وتصحيف" وجمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشي ص ٢١٨ طبعة دار الكتب العلمية" و" شواهد المغنى " ١ / ٤٨٠" واللسان مادة [شكك] وصدره في " أساس البلاغه " مادة [شكك] . ورواية صدره في المصادر السابقة: "فشككت بالرمح الأصم ثيابه".
والأصم: الصلب يقول: طعنته أنقذت الرمح في جسمه وثيابه كلها لأن الرماح مولعة بالكرام لحرصهم على الأقدام.
٣- متفق عليه: من حديث أم سلمة وانظرتخريجه في إرواء الغليل برقم ٢٣" للشيخ الألباني.
٤- سورة النساء، الآية ١٠.
٥- كذا وقع بالأصل بدون ألف وهو رسم جائز انظر ما كتبه العلامة أحمد شاكر في تعليقه على "الرسالة" للشافعي ص ٥٩، فقرة رقم ١٩٨"، وستأتي هذه الرسمة كثيرا.
1 / 21
ومنه قول النابغة:
"لها ميم١ يستلهونها بالجراجر٢"
أي يبتلعونها بالحناجر والمضبب بالفضه من الأقداح الذي قد أصابه صدع أي: شق فسويت له كتيفة عريضة من الفضه فأحكم الصدع بها والكتيفه يقال لها: الضبه وجمعها الضباب وقد ضبب فلان قدحه بضببه٣، إذا لأمه بها ومن هذا قيل لطلع النخل قبل انشقاقه وتفلقه عن الاغريض الذي في جوفه ضبه وجمعها: ضباب وضبات قال الشاعر:
يطفن بفحال كأن ضبابه ... بطون الموالى يوم عيد تغدت٤
أراد بالفحال فحل النخل الذي يؤبر بثمره ثمر الإناث وضبابه ما أخرج من طلعه قبل انشقاقه.
قال الشافعي: ﵀: "وأحب السواك عند كل حال تغير فيها الفم الاستيقاظ من النوم
والأزم"٥. والأزم: خفض معطوف على
_________
١- على هامش المخطوط: "اللهاميم: السادات".
٢- عجز بيت وصدره كما في "الديوان": ص ٦٦":
عظام اللهي، أولاد عذرة إنهم..........................
من قصيدة يسرد فيها ما وقع بينه وبين النعمان عندما أراد أن يستولي على بني حن بن حزام من بني عذرة فنهاه النابغة عن غزوهم فلما أبى النعمان أرسل النابغة لقومه يخبربهم بغزو النعمان ويأمرهم أن يمدوا بني حن ففعلوا فهزموا غسان فقال النابغة:
لقد قلت للنعمان يوم لقيته ... يريد بني حن ببرقة صادر
تجنب بني حن فإن لقاءهم ... كريه وإن لم تلق إلا بصابر
عظام اللهي،. . . . . . . ... . . . . . . . . . . بالحناجر
ويستهلونها: يبتلعونها.
٣- على هامش المخطوطة: خ" بضبة..
٤- اختلف في نسبه هذا البيت فقد نسبه ابن منظور في " اللسان" [ضبب] إلى البطين التيمى وكان وصافا للنخل.
ونسبه الزمخشري في " الأساس " [ضبب] إلى سويد بن الصامت.
والبيت بلا نسبة في " إصلاح المنطق " وتهذيبه ٢ / ١١٧" واللسان [فحل] والمقاييس ٣ / ٣٥٨" وتهذيب اللغة ١١ / ٤٧٦"
٥- مختصر المزنى ١/٤".
1 / 22
الاستيقاظ لأنه يدل من قوله: "كل حال"
ثم قال: "الاستيقاظ ": أي عند الاستيقاظ من النوم.
وأما الأزم: فهو الامساك عن الطعام والشراب ومنه قيل: للحميه: أزم وهو الامساك عن الطعام والشراب ومنه قيل لسنة الجدب والمجاعه أزمة.
وقال أبو زيد١: أزم علينا الدهر: إذا اشتد أمره وقل مطره وخيره وأزمت الدابه على اللجام: إذا أمسكته بأسنانها كأنها تعضه ودابة أزوم تقبض على لجامها بأسنانها.
_________
١- هو: سعيد بن أوس بن ثابت أبو زيد الأنصاري ١٢٢ هـ - ٢١٥ هـ" كان عالما باللغة وغريبها، له كتب مطبوعة منها: كتاب النوادر طبع بتحقيق محمد عبد القادر أحمد.
انظر ترجمته في: "مراتب النحويين" ٤٣" ومقدمة النوادر.
1 / 23
باب النية
أصل النيه مأخوذ من قولك: نويت بلد كذا أي: عزمت بقلبي قصده ويقال للموضع الذي يقصده: نية - بتشديد الياء - ونية - بتخفيفها - وكذلك الطيه والطيه قال ابن الاعرابي وانتويت موضع كذا: أي قصدته للنجعه انتواء ويقال للبلد المنوي نوى أيضا والنوى: الفراق ويقال: نواك الله أي حفظك الله وكأن المعنى: قصدك الله بحفظه إياك، فالنية: عزم القلب على عمل من الاعمال فرض أو غيره.
وقوله: "فيغرف غرفة لفيه وأنفه"١، فالغرفة: أن يغرف الماء بكفه مجموعة الأصابع مرة واحدة - هذا بفتح الغين - وأما الغرفه - بالضم - فالماء المحمول بالكف ومثله: خطوت خطوه واحده والخطوة ما بين القدمين وقول الله ﷿: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلى الْمَرَافِقِ﴾ ٢ إلى قوله: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ إلى الْكَعْبَيْنِ﴾ ٢. فالمرافق واحدها: مرفق ويقال: مرفق لغتان وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال: المرفق: ما جاوز إبرة الذراع التي من عندها يذرع الذراع قال والقبيح رأس العضد الذي يلي المرفق قال: وزج المرفق ما بين القبيح وبين إبرة الذراع وهو المكان الذي يرتفق عليه المتكئ إذا ألقم راحته رأسه وثنى ذراعه واتكأ عليه وهو الحد الذي ينتهي إليه في غسل اليد والكعبان هما: المنجمان وهما العظمان النائتان في منتهى الساق مع القدم وهما ناتئان عن يمنة القدم ويسرتها وامرأة درماء الكعوب إذا كان اللحم قد غطى نتوء الكعب وهذا قول الأصمعي٣ وهو قول الشافعي ﵀.
فأما معنى قوله: ﴿إِلَى﴾ في قوله: ﴿إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ و﴿إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ فقد أخبرني المنذري عن أبي العباس أحمد بن يحيى أنه قال: "إلى" ها هنا
_________
١- مختصر المزنى ١ / ٦"
٢- سورة المائدة الآية ٦.
٣- انظر ترجمته في مقدمتي لكتاب: "الاشتقاق" له وهو قيد الطبع.
1 / 24
بمعنى "من"١ واحتج بقول الله تعالى: ﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إلى أَمْوَالِكُمْ﴾ ٢ أي مع أموالكم وبقوله: ﴿مَنْ أَنْصَارِي إلى اللَّهِ﴾ أي: مع الله.
وقال الزجاج: "إلى" في هذا الموضع بمعنى مع غير متجه لما يكون تحديدا لأنه لو كان معنى الآية "اغسلوا أيديكم مع المرافق" لن يكن في المرافق فائده وكانت اليد كلها يجب أن تغسل من أطراف الأصابع الابط لانها كلها يد ولكن لما قال ﴿إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ أمرنا بالغسل من حد المرافق إلى أطراف الأصابع كأنه لما ذكر اليد كلها أراد أن يحد ما يغسل مما لا يغسل فجعل حد المغسول المرافق وما وراء ذلك غير داخل في حد المرافق فالمرافق منقطعه مما لا يغسل من اليد وداخله فيما يغسل وهذا كما يقول الرجل: قطع فلان أصابع فلان من الخنصر إلى المسبحه فقد علمنا أنه أخرج المسبحه مما لم يقطع وأدخلها فيما قطع فان قال قائل: إن المرافق والكعبين غير داخله في الغسل لأن إلى نهاية واحتج بقول الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلى اللَّيْلِ﴾ ٣ والليل غير داخل في الصيام فكذلك المرافق والكعبان غير داخله في الغسل قيل له: فرق بينهما ما قدمت ذكره وهو أن المرافق تحديد داخل في المحدود والمحدود الأيدي والليل غير داخل في محدود النهار لأن الليل غير النهار فهما مختلفان لهذا المعنى ولو أن رجلا قال: وهبت لك هذه المشجره من هذه الشجره وأشار إليها إلى أقصاها شجره لدخل ذلك كله في الهبه لدخول في محدود المشجرة قال أبو منصور: الأزهري: وهذا الذي قاله الزجاج صحيح وهو قول محمد بن يزيد المبرد.
_________
١- وله قول آخر ففي "مجالسه" ١/٢٢٦" قال: "إلى المرافق". قال: هي مثل "حتى" للغاية والغاية تدخل وتخرج يقال: ضربت القوم حتى زيدا يكون زيد مضروبا وغير مضروب فيؤخذ هاهنا وبالأوثق" اهـ.
وانظر: "تفسير الطبري" ١ / ٢٩٨ – ٢٩٩"، ٦ / ٤٤٣، ٤٤٤" طبعة المعارف.
٢- سورة النساء، الآية ٢.
٣- سورة البقرة، الآية ١٨٧.
1 / 25
النزعتان والإستطابة:
قال الشافعي: ﵀: "والنزعتان من الرأس"١.
النزعتان: هما الموضعان اللذان ينحسر الشعر عنهما في مقاديم الرأس يقال: نزع الرجل ينزع نزعا فهو أنزع.
والاستطابه: الاستنجاء بالحجارة أو بالماء يقال للرجل إذا بال أو تغوط ثم تمسح بثلاثة أحجار أو بمدر قد استطاب فهو مستطيب وأطاب فهو مطيب.
قال الأعشى:
يا رخما قاظ على مطلوب ... يعجل كف الخارئ المطيب٢
يهجو رجلا شبهه بالرخم الذي يرفرف في السماء فإذا رأى إنسانا يتغوط انتظر قيامه من غائطه ثم نزل إلى الغائط فأكله وقوله: "قاظ على مطلوب" أي قام في القيظ وهو حمراء الصيف ومطلوب موضع. وأخبرني الأيادي عن شمر أنه قال: الاستنجاء بالحجارة مأخوذ من نجوت الشجره وأنجيتها واستنجيتها إذا قطعتها كأنه يقطع الأذى عنه بالماء أو بحجر يتمسح به قال: ويقال استنجيت العقب إذا خلصته من اللحم ونقيته منه وأنشد ابن الأعرابي:
فتبارزت فتبازخت لها ... جلسة الجازر يستنجى الوتر٣
_________
١- مختصر المزنى ١ / ٨ – طبعة دار الشعب".
٢- الشطران في "ديوانه" ص ١٧٢" من ضمن أرجوزة قالها في مدح وائل بن شرحبيل بن عمرو، وقومه.
ورواية البيت الأول في الديوان:
يا رخما قاظ على ينخوب
والينخوب: الجبان وبرواية الكتاب في: "اللسان" [طيب] .
٣- البيت لعبد الرحمن بن حسان وهو من شواهد " اللسان " مادة [بزخ، ونجا] وقبله كما في [بزا] من "اللسان":
سائلا ميه هل نبهتها ... آخر الليل بعرد ذي عجر
1 / 26
البزا والأبزخ والأبزي:
قال: تبارزت: رفعت١ مؤخرها - يعني -: امرأه تيسرت لاتيانه إياها في مأتاها فتبازخ الرجل أي تطامن فأشرف حاركه والبزا: أن يستأخر العجز ويستقدم الصدر والأبزخ الذي في ظهره تطامن قال الفراء: الأبزي الذي قد خرج صدره ودخل ظهره. وجعل القتيبى الاستنجاء مأخوذا من النجوه وهو ما ارتفع من الأرض. فكان الرجل إذا أراد قضاء حاجته تستر بنجوة ثم قالوا: ذهب يستنجي وينجو وينجى قالوا: واستنجى الرجل إذا مسح أو غسل النجو عنه وقول شمر في هذا الباب أصح من قوله٢.
الرمة:
وفي حديث النبي ﷺ: "أنه نهى عن الروث والرمة في الاستنجاء" ٣.
والرمة - بكسر الراء -: العظام الباليه سميت رمة رميما لأن الإبل ترمها أي: تأكلها وجمع الرمة: رمم وقيل سميت رمة لأنها ترم أي تبلى إذا قدمت وأما الرم بغير هاء فهو مخ العظام يقال: ارم العظم فهو مرم أي صار فيه رم أي مخ لسمنه، والرمة – بضم الراء – الحبلى البالى.
وقوله: "ما لم يعد المخرج"٤ أي: لم يجاوز مخرج الأذى من الإنسان يقال: عداك الشيء أي جاوزك وعدوى الجرب مأخوذه منه لأن الجرب عندهم يعدى أي: يصير عاديا أي مجاوزا من الجرب إلى الصحيح الذي لا جرب فيه.
_________
١- في المخطوط: "دفعت" وهو تحريف.
٢- انظر "اللسان" [نجا] . أي من قول القتيبي السابق. أما قول شمر فهو: وأرى الإستنجاء في الوضوء من هذا لقطعه العذرة بالماء.
٣- مختصر المزنى ١/١١" والحديث عنده وسنده حسن وانظر "إرواء الغليل" ١/٨١ - ٨٢، ٨٥".
٤- مختصر المزنى ١/١٢".
1 / 27
وفي حديث آخر: "اذا استجمرت فأوتر وإذا استنشقت فانثر" ١
معنى الاستجمار: الاستنجاء بالحجاره مأخوذ من الجمار وهي: الحجاره فأوتر: أي تمسح بالوتر منها ثلاث أو خمس وقوله: "إذا استنشقت فانثر" أي: إذا أدخلت الماء في أنفك فأخرج منه ما يبس واجتمع من المخاط فيه، وقول الشافعي ﵀ فيما حكى عنه المزنى في العظم٢ أنه لا يجوز الاستطابه به لأن الاستطابه طهارة والعظم ليس بطاهر.
يقول القائل: كيف قال: والعظم ليس بطاهر وهو عند الشافعي وغيره من الفقهاء طاهر؟ فالجواب فيه أن المزنى نقل هذا اللفظ عن كتاب الشافعي في الطهارات على المعنى لا على ما لفظ به الشافعي ﵀ ولفظه ما أخبرنا به عبد الملك بن محمد البغوي عن الربيع عن الشافعي ﵀ أنه قال: "ولا يستنجي بعظم للخبر فيه فانه وان كان غير نجس فليس بنظيف وإنما الطهارة بنظيف طاهر". قال: "ولا أعلم شيئا في معنى العظم إلا جلد ذكي غير مدبوغ فانه ليس بنظيف وإن كان طاهرا فأما الجلد المدبوغ فنظيف طاهر فلا بأس أن يستنجى به". وهذا كله لفظ الشافعي٣، وظن المزني أن معنى النظيف والطاهر واحد فأدى معنى النظيف بلفظ الطاهر وليسا عند الشافعي ولا عند أهل اللغة سواء ألا ترى أن الشافعي جعل العظم والجلد إذا كانا غير مدبوغين طاهرين ولم يجعلهما نظيفين ومعنى النظيف عنده الشيء الذي ينظف ما كان من زهومه أو رائحة غمر كزهومة لحوم الحيوان وعظامها والأطعمه السهكه "*" والاشياء الكريهة الطعم والرائحه فهذه الأشياء وإن كانت طاهره فانها ليست بنظيفه ألا ترى أن الإنسان إذا أكل مرقه
_________
١- صحيح: أخرجه الترمذي برقم ٢٧" وابن ماجه ٤٠٦" والنسائي برقم ٤٣" وأحمد ٤/٣١٣، ٣٢٩، ٣٤٠" وغيرهم من حديث سلمة بن قيس.
والحديث مخرج في "كتاب الطهور" لأبي عبيد القاسم بن سلام بتحقيقي.
٢- المرجع السابق ١/ ١٤"
٣- انظر: "الأم" ١/ ١٩"
"*" سهك بكسر الهاء سهكا: كانت رائحته كريهة ويقال: لحم سهك وسمك سهك.
1 / 28
دسمة سهكة خبثت نفسه حتى يغسل يده وفمه بما ينظفهما من أشنان١ أو تراب أو غسول طيب فاراد الشافعي أن العظم وإن كان طاهرا فإنه كان في الأصل طعاما زهما غير نظيف في نفسه ولا منظف لغيره فلا يجوز الاستنجاء به لأنه في الأصل طعام وأما الجلد المدبوغ فان الدباغ قد غيره عن حالته التي كانت عليها خلقته فأثر فيه العطن وورق الشجر الذي دبغ به تأثيرا أذهب زهومته وطعمه وأفاد نظافة في حرمه ورائحته وإذا كان الدباغ يبطل حكم ميتيته لما يستفيد من روائح ورق الشجر وغيره فانه لزهومته أشد ازاله وله أشد تنظيفا فافهمه.
الإفضاء:
قال الشافعي: ﵀: "والملامسه٢ أن يفضي بشيء منه إلى جسدها أو تفضي إليه لا حائل بينهما". الإفضاء على وجوه:
أحدها: أن يلصق بشرته ببشرتها ولا يكون بين بشرتيهما حائل من ثوب ولا غيره وهذا يوجب الوضوء عند الشافعي ﵀.
والوجه الثاني من الافضاء: أن يولج فرجه في فرجها حتى يتماسا وهذا يوجب الغسل عليهما وهو قول الله ﷿: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إلى بَعْضٍ﴾ ٣ أراد بالإفضاء الايلاج ها هنا.
والوجه الثالث من الإفضاء: أن يجامع الرجل الجاريه الصغيره التي لا تحتمل الجماع فيصير مسلكاها مسلكا واحدا وهو من الفضاء وهو البلد الواسع يقال جارية مفضاه وشريم إذا كانت كذلك٤.
_________
١- الأشنان: يشبه الصابون في عصرنا هذا.
٢- في الأصل: "المدامسة" وهو تحريف والتصويب من "مختصر المزنى" ١ / ١٥" وانظر "الأم" ١/ ١٦ – ١٧".
٣- سورة النساء الآية ٢١ وانظر "الطبرى" ٦/١٢٥ - طبعة شاكر".
٤- انظر "اللسان" فضا".
1 / 29
المني والمذي والودي:
وذكر الشافعي في الأحداث الناقضة للطهارة: المنى والمذى والودى١ فالمنى: هو الماء الدافق الذي يكون منه الولد سمي منيا لأنه يمنى أي: يراق ويدفق ومن هنا سميت منى لما يمنى بها من دماء أي: يراق يعني: دماء النسك٢ والمنى مشدود لا يجوز فيه التخفيف يقال منى الرجل وأمنى إذا دفق الماء.
وأما المذى: فهو ماء رقيق يضرب لونه إلى البياض يخرج من رأس الاحليل بعقب شهوة والمذى يشدد ويخفف والتخفيف فيه أكثر يقال: مذى الرجل وأمذى إذا سال ذلك منه.
وأما الودى - فهو بالدال غير معجمه - وهو ماء رقيق يخرج على إثر البول ولا يخرج بشهوه وهو مخفف٢ يقال ودى الرجل ولم اسمع فيه أودى ويقال ودى الفرس يدى وديا إذا أدلى وقال اليزيدى: يقال ودى الفرس ليبول وأدلى ليضرب روى ذلك عنه أبو عبيد.
وروى المزنى حديث النبي ﷺ قال: "العينان وكاء السه فإذا نامت٣ العينان استطلق الوكاء٤" التشديد في السه على السين للادغام والهاء خفيفه ومنه قول الشاعر٥:
_________
١- انظر: "مختصر المزنى" ١/٢٢".
٢- انظر: "التنبيهات على أغلاط الرواة" ص ٢٤٤" لعلى بن حمزة.
٣- في المخطوط: "فانت" وهو تحريف.
٤- انظر: " مختصر الأم" ١/١٧ - للمزنى" والحديث حسن، ومن حديث على ابن أبي طالب.
انظر: "الإرواء ١/١٤٨ – ١٤٩"
٥- هو: أوس بن حجر. كما في "اللسان" و"ديوانه".
1 / 30
وأنت السه السفلى إذا دعيت نصر١
نصر قبيلة من العرب فلذلك أنث فقال لهذا الرجل: أنت من أرذلهم إذا دعوا للمكارم للمساعى قال أبو عبيد: السه: حلقة الدبر قال: وأصل الوكاء الخيط الذي يشد به رأس القربه فجعل النبي ﷺ اليقظه للعين بمنزلة الوكاء للقربة فإذا نامت العينان استرخى ذلك الوكاء وكان منه الحدث والريح.
_________
١- عجز بيت، وصدره:
شأتك قعين غثها وسمينها
والبيت في "ديوانه" ٣٨" والفرق لقطرب ٦١" ولثابت ١/٩٦" واللسان [سته] . ومعنى البيت أنه في القوم - أي المهجو - بمنزلة الاست من الناس.
1 / 31
باب ما يوجب الغسل
ذكر الحديث: "اذا التقى الختانان فقد وجب الغسل" ١ فسر الشافعي٢ ﵀ التقاء الختاني تفسيرا مقنعا وجعل معنى التقائهما تحاذيهما وان لم يتضاما وهو صحيح كما فسره والعرب تقول دار فلان تلقاء دار فلان وتراها إذا كانت تحاذيها والتقينا فتحاذينا إذا لقيك ولقيته. والختان من الرجل: الموضع الذي تقطع منه جلدة القلفه وهو من المرأة مقطع نواتها وأما تومة الذكر وهي الحشفة٣، فليست من الختان وإنما يحاذى ختان الرجل ختان المرأة بعد مغيب الحشفه في فرجها وهذه كناية لطيفه عن الايلاج الا ترى أنالرجل لو الصق ختانه بختان المرأة بلا إيلاج لم يجب عليهما الغسل وهذا كما روى عن النبي ﷺ أنه قال: "إذا قعد بين شعبها الأربع فقد وجب عليهما الغسل" ٤ وأراد بشعبها الاربع: شعبتي رجليها وشعبتي شفريها والعرب تقول للعصا إذا كان لرأسها طرفان: عصا ذات شعبين وذات شعبتين كل يقال فافهمه.
الضفائر:
وضفائر المرأة: ذوائبها المضفورة واحدتها ضفيرة إذا أدخل بعضها في بعض نسجا وهي الضمائر - بالميم أيضا - واحدتها ضميرة وهي الغدائر
_________
١- صحيح: وهو من حديث عائشة عند الترمذي ١٠٨" وابن ماجه برقم ٦٠٨" والنسائي في "عشرة النساء" برقم ٢٤١" بلفظ: "إذا جاوز الختان ... " وانظر تعليق الشيخ أحمد شاكر على الترمذي.
٢- انظر هذا التفسير في "مختصر المزنى" ١/٢١".
٣- في الأصل: "الخشفة" بالخاء المعجمة، وهو تصحيف والصواب بالحاء المهملة.
انظر: كتب اللغة مادة [حشفة]
٤- صحيح: وهو عن عائشة، عند الشافعي في "الأم" ١/٣١" وأحمد ٦/٤٧" والترمذي ١٠٩" بإسناد فيه ضعف.
ولكن له طرق أخرى عند مسلم ٣٤٩" والبيهقي ١/١٦٤" وغيرهما
1 / 32
أيضا، واحدتها غديره فإذا لويت فهي عقائص واحدتها عقيصه.
الفرصة:
وروى في حديث النبي ﷺ أنه قال للمرأة الانصاريه: "خذي فرصة من مسك فتطهري بها" ١ وفي حدث آخر: "خذي فرصة فتمسكي بها". قال أبو العباس أحمد بن يحيى٢: الفرصه القطعه من كل شيء يقال: فرصت الشيء إذا قطعته قال: وقوله: "تمسكي بها" فيه قولان:
أحدهما: تطيبي بها من المسك ويقال هو من التمسك باليد وروي عن عائشه أنها قالت: أراد تتبعي بها أثر الدم.
قال الشافعي: "وأحب المرأة أنتغلغل الماء في أصول شعرها"٣. أراد بغلغلة الماء: ادخاله في خلالها وايصاله إلى بشرتها وأصله من غللت الشيء في جوف الشيء وغللت، وغللت - مخفف ومثقل - إذا أدخلته فيه ومنه يقال: انغل الرجل وسط القوم إذا دخل فيهم ومنه الغلل وهو الماء الذي يجري بين الشجر.
_________
١- متفق عليه: أخرجه البخاري ١/٣٥٣ - في الحيض"، ومسلم برقم ٣٣٢" وغيرهما من حديث عائشة.
٢- هو المعروف بثعلب، توفي سنة ٢٩١" انظر ترجمته في مقدمة مجالسه تحقيق العلامة عبد السلام محمد هارون – ﵀ – طبعة دار المعارف. لم أجد هذه العبارة في "مجالسه".
٣- مختصر المزنى ١/٢٥".
1 / 33
باب التميم
...
باب التيمم
التيمم في كلام العرب: القصد يقال: تيممت فلانا ويممته وأممته وتأممته إذا قصدته وأصله كله من الأم وهو: القصد.
والصعيد في كلام العرب على وجوه: فالتراب الذى على وجه الأرض يسمى صعيدا ووجه الأرض يسمى صعيدا والطريق يسمى صعيدا وقد قال بعض الفقهاء: إن الصعيد وجه الأرض سواء كان عليه التراب أو لم يكن ويرى التيمم بوجه الصفاه الملساء جائزا وان لم يكن عليها تراب إذ يمسح بها المتيمم قال: وسمى وجه الأرض صعيدا لأنه صعد على الأرض ومذهب أكثر الفقهاء أن الصعيد في قوله ﷿: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ ١ إنه التراب الطاهر وجد على وجه الأرض أو أخرج من باطنها ومنه قوله ﷿: ﴿فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا﴾ ٢.
البطحاء:
والبطحاء: من مسايل السيول المكان السهل الذى لا حصى فيه ولا حجاره وكذلك الابطح وكل موضع من مسايل الأوديه يسويه الماء ويدشه فهو الأبطح والبطحاء والبطح وذكر الشافعي ﵀ قول الله ﷿: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾ ٣ بالفاء وظاهر التنزيل يدل على أن التيمم بأي شرط شرط في الآية ولم يجد الماء سواء كان مريضا فلم يجد الماء أو كان مسافرا أو جاء من الغائط أو لمس النساء ولم يجد الماء فله التيمم. ومذهب الفقهاء أن المريض غير المسافر له التيمم وان كان
_________
١- سورة المائدة، الآية ٦.
٢- سورة الكهف، الآية ٤٠.
٣- مختصر المزنى ١/٢٧ - ٢٨" والآية من سورة المائدة ٦.
1 / 34
واجدا للماء وان من تغوط أو لمس النساء ولم يكن مسافرا فأعوزه الماء فليس له التيمم والآية تحتاج إلى شرح يوافق اجماع الفقهاء في الامصار فقد ذهب طائفة من الخوارج وهم الاباضيه إلى أن الإنسان إذا اعوزه الماء مسافرا كان أو حاضرا مريضا كان أو صحيحا فله التيمم ووجه الآية عندي - والله اعلم - أن الحاضر إذا كان مريضا المرض الذي يخاف على نفسه التلف إن توضأ أو اغتسل أن له أن يتيممه.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى﴾ قال: نزل هذا في الرجل يكون به الجدري أو القروح يخاف إن هو توضأ أو اغتسل أن يؤذيه أذى شديدا فليتيمم. فابن عباس وقد شاهد التنزيل جعل التيمم لبعض المرضى دون بعض والصحابى الذي شاهد التنزيل إذا بين أن نزول الآية كان لسبب انتهى إلى قوله: ووجه تفسيرها على تفسيره وصدق على ما بين وكان أولى بالتأويل من غيره ممن بعده فقد خرج المريض من الجملة بما وصفنا لما روى عن ابن عباس حدثنا محمد بن اسحاق السعدي حدثنا أبو زرعة عن قبيصة عن عمار بن زريق عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قول الله ﷿: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى﴾ قال: هذا في الرجل يكون به الجدري أو القروح يخاف إن توضأ أو اغتسل أن يؤذيه أذى شديدا فليتيمم١.
وحدثنا أبو عبد الله محمد بن اسحاق حدثنا الرمادي حدثنا حجاج قال: قال ابن جريج: أخبرني يعلى عن سعيد بن جبير عن عباس٢ في قوله تعالى: ﴿إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى﴾ ٣.
قال عبد الرحمن بن عوف: كان جريحا قال أبو عبد الله وهو يعلى بن مسلم مكي روى عنه ابن جريج وغيره.
_________
١- صحيح: وانظر تفسير الطبري ٥/٦٤".
٢- كذا في الأصل، والصواب: ابن عباس.
٣- سورة النساء الآية ١٠٢.
1 / 35
وأما قوله ﷿: ﴿أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ فإن أو في قوله: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾ بمعنى واو الحال كأنه قال أوكنتم على سفر وجاء أحد منكم من الغائط أو جامعتم ولم تجدوا الماء فتيمموا فان قال قائل: فهل جاءت أو بمعنى الواو في شيء من كلام العرب؟ قيل: نعم: اثبت لنا عن أحمد بن يحيى أنه قال: أو تكون بمعنى تخيير وتكون بمعنى حتى وتكون بمعنى اختيار وتكون بمعنى بل وتكون شكا وتكون بمعنى الواو وقال الكسائي: وتكون شرطا قال: وأنشد أبو زيد فيمن جعلها بمعنى الواو:
وقد زعمت ليلى بأني فاجر ... لنفسي تقاها أو عليها فجورها١
معناه: وعليها فجورها. قال وأنشدني سلمه عن الفراء:
إن بها أكتل أو رزاما ... خويربان ينقفان الهاما٢ ٣
قال: أراد بها اكتل ورزاما. قال الأزهري: ولا يجوز في قوله ﷿: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾ غير معنى الواو حتى يستقيم التأويل على ما أجمع عليه فقهاء الأمصار. وما علمت أن أحدا شرح من معنى هذه الآية ما شرحته فتبينه تجده كما فسرته إن شاء الله.
[تنبيه] *:
وذكر الشافعي ﵀ الكوع في هذا الباب وهو طرف العظم الذي يلي رسغ اليد المحاذي للابهام وهما عظمان متلاصقان في الساعد،
_________
١- البيت لتوبة بن الحمير في ليلى الأخيلية كما في أمالي القالي ١/١٣١" والأغاني ١٠/٦٩" وغيرهما كثير.
٢ - على هامش المخطوطة: قوله خويربان يعني السارقين يقال للذي يسل الإبل فيسرقها خارب وينقفان الهام أي يضربان الهام ويستخرجان الدماغ.
٣ - الرجز من شواهد الكتاب ١/٢٨٧" وشرح الشواهد للشنتمري، ١/٢٨٧" وللنحاس ص ١٢٥" وهو لرجل من بني أسد.
* ما بين المعقوقين من المحقق للتوضيح.
1 / 36