El Líder Revolucionario Ahmad Urabi
الزعيم الثائر أحمد عرابي
Géneros
كان عرابي بالقاهرة حين وقعت الحادثة، وقد علم بها تلغرافيا قبل الساعة الخامسة مساء، فأسف لها أسفا عظيما ... ولما ذاعت أخبارها في العاصمة مساء 11 يونيو، قوبلت بالاستياء والاستنكار في الدوائر الوطنية، لما توقعه العارفون من عواقبها الوخيمة، وكانت ضربة موجهة إلى العرابيين؛ لأن أقل ما تدل عليه أن زمام الأمن قد أفلت من أيديهم، وأنها تتخذ حجة ضدهم على أنهم غير قادرين على ضبط الأمن وصيانة الأرواح، وبخاصة بعد أن أعيد عرابي إلى وزارة الحربية وتعهد بكفالة الأمن والنظام.
وكانت هذه المذبحة نذيرا للعرابيين بأن البلاد قادمة على خطر كبير، إذ لم يكن خافيا أن السياسة الإنجليزية قد دبرت الوسائل لوقوعها تحقيقا لأغراضها في مصر، ولكن العرابيين لم يقدروا العواقب حق قدرها، وقد اتخذ القناصل هذه الحادثة ذريعة لمخاطبة ولاة الأمور في العاصمة بلهجة شديدة طالبين حماية الأجانب وأموالهم في البلاد، وقررت الحكومة مساء 11 يونيو إيفاد لجنة إلى الإسكندرية للنظر في أمر تلك الحادثة، والكشف عن أسبابها والتحقيق مع المتهمين فيها.
وعقد الخديو اجتماعا في سراي عابدين صبيحة يوم الإثنين 12 يونيو، حضره محمد شريف باشا، ودرويش باشا المندوب العثماني وقناصل فرنسا وإنجلترا والنمسا وألمانيا وإيطاليا والروسيا، الذين جاءوا يطلبون تأمين رعاياهم على أرواحهم وأموالهم ... فجرت المباحثة في هذا الاجتماع فيما يجب اتخاذه حيال حوادث الإسكندرية، فاستقر الرأي على إعطاء وكلاء الدول السياسيين الضمانات الوثيقة التي تكفل إعادة الأمن إلى نصابه، وصيانة أرواح الأجانب وأموالهم.
ومن أهم هذه الضمانات امتثال عرابي باشا لأوامر الخديو، فدعي عرابي إلى حضور الاجتماع، وخوطب في الأمر فأجاب بالقبول، وزاد أن تعهد للمجتمعين بمنع ما من شأنه إثارة الخواطر، كالاجتماعات العامة وانعقاد الجمعيات وإلقاء الخطب ونشر المقالات المهيجة، وأبان أن في مقدوره بمساعدة جنوده تأييد الأمن وإقرار الراحة والطمأنينة، وتعهد الخديو بإصدار الأوامر الكفيلة بتهدئة الخواطر، وقال درويش باشا: إنه يأخذ على عاتقه تنفيذ الأوامر الخديوية بأن يشترك مع عرابي في إنفاذها، ويشاركه المسئولية في هذا الصدد، فاكتفى وكلاء الدول ظاهرا بهذه العهود، وانفض الاجتماع.
وإنفاذا لهذه العهود أصدر الخديو أمرا إلى عرابي باشا، بالتنبيه على قواد الجيش وضباطه بالقاهرة والإسكندرية والأقاليم، بزيادة الدقة والسهر على الأمن العام.
وأصدر الخديو أمرا بهذا المعنى إلى المحافظين والمديرين، ونشر عرابي في ذلك اليوم إعلانا بدعوة الجمهور إلى الإخلاد إلى السكينة والطمأنينة، وأذاع أمرا آخر وجهه إلى قواد الجيش وضباطه وغيرهم، يدعوهم إلى بذل أقصى جهودهم لإقرار الأمن والراحة والنظام، وزادت الحكومة قوات الجيش في الإسكندرية لتكون كافية لقمع كل فتنة تحصل بين الأجانب والأهلين، فأنفذت إليها الآلاي الثاني والآلاي الرابع، وعهدت بقيادتهما إلى طلبة باشا عصمت الذي صار منذ ذلك الحين قومندانا عاما لقوات الجيش في الثغر. (4) نزوح الأجانب عن البلاد
وكانت الأنباء التي يتناقلها الأجانب مجمعة على أن الحرب لا محالة ناشبة في مصر ... وكانوا يتوقعون من آن لآخر أن تطلق البوارج الإنجليزية والفرنسية قنابلها على المدينة، وأن قوات الدولتين لا تلبث أن تهاجم البلاد، وفي هذه الحالة لا يأمنون على أنفسهم إذا نشبت الحرب أن يستهدفوا لانتقام الأهلين ... ومن هنا جاءت فكرة نزوح الأجانب عن البلاد، فأخذ القاطنون منهم بالإسكندرية يهاجرون منها بحرا، والأجانب في القاهرة والأقاليم يفدون إلى الإسكندرية للإقلاع منها إلى الخارج، وبدأ رحيل الأوروبيين عن البلاد في اليوم التالي لمذبحة الإسكندرية، وكثرت جموعهم النازحة في الأيام التالية. ونزل المهاجرون منهم إلى السفن التي كانت راسية في الميناء ينتظرون أن تقلع بهم.
وبلغ عدد الراحلين منهم يوم 12 يونيو سنة 1882 أكثر من عشرة آلاف مهاجر، نزلوا إلى البحر متفرقين في البواخر والسفن الشراعية، ولم تعارض إدارة جوازات السفر ولا الجمارك أحدا منهم في النزول إلى البحر، فكثرت جموع المهاجرين يحملون أموالهم وأمتعتهم، وامتلأ الميناء بالسفن المقلة لهم، وظلت الهجرة مستمرة في الأيام التالية حتى بلغ عدد الراحلين لغاية يوم 18 يونيو 32000 مهاجر، وبلغ عددهم ستين ألفا قبيل ضرب الإسكندرية، فكان هذا السيل المتدفق نذيرا بما يتمخض عنه الجو من الأحداث الجسيمة.
ومما ساعد على تعاظم سيل الهجرة، أن قناصل الدول رغبوا إلى رعاياهم الرحيل عن البلاد، وأفضوا إليهم بأنهم يتوقعون حوادث أشد هولا من مذبحة 11 يونيو، وأن الحرب وشيكة الوقوع، فسارعوا إلى الهجرة، وأعدت كل دولة سفنا لنقل رعاياها، فهرع الفقراء والمعوزون إلى النزول إليها، وأخذ الموسرون منهم أماكنهم في البواخر المعتادة، وتسلل الأوروبيون من كل ناحية في القطر المصري قاصدين الميناء، حتى خيل لمن يرى جموعهم الراحلة أنه لم يبق منهم في البلاد إلا نفر قليل.
وزاد الناس شعورا بخطر الموقف، انتقال الخديو فجأة من العاصمة إلى الإسكندرية، فقد اعتزم السفر إليها عقب حادثة 11 يونيو سنة 1882، وحجته تهدئة الخواطر فيها، وسافر إليها يوم الثلاثاء 13 يونيو، وودعه على المحطة عرابي باشا وزير الحربية، وقبل أن يتحرك القطار عهد إلى عرابي مراقبة أحوال القاهرة، والسهر على الأمن العام فيها واتخاذ الاحتياطات الكفيلة بمنع وقوع أي حادث، وصحبه في سفره درويش باشا المندوب العثماني. (4-1) من المسئول عن المذبحة؟
Página desconocida