El Líder Revolucionario Ahmad Urabi
الزعيم الثائر أحمد عرابي
Géneros
ونوه في النهاية إلى أن استمرار وجود تلك الترميمات هو السبب الوحيد لتسكين روع الأمة المصرية، وإزالة القلق والاضطراب المستولي على القلوب من وجود الأسطول الإنجليزي في المياه المصرية، وإجرائه حركات ومناورات حربية داخل الميناء وخارجه وأخذه مقاسات أعماق المياه، واقتراب السفن الإنجليزية من الشواطئ أمام الاستحكامات، وأن هذه الإجراءات هي التي تعتبر تهديدات حقيقية، وهي التي هيجت أفكار الأمة المصرية وأحدثت الاضطراب، ومع ذلك فإنه حرر بوقف الترميمات المذكورة «رجاء عودة الدونانمة الإنجليزية»، وقد وقفت فعلا أعمال الترميم من ذلك الحين.
وإنك لترى في موقف تركيا حيال مصر إحراجا ظاهرا لها، فإن كل الدلائل تدل على نية التحرش من جانب الإنجليز ، ومع ذلك فإن الحكومة التركية لم تتحرك إلا لتطلب من السلطات المصرية الكف عن إجراء الترميمات بالحصون، وكان هذا الطلب تأييدا ظاهرا للسياسة الإنجليزية، ولم يكن إيفاد درويش باشا في هذا الموقف العصيب إلا عملا عقيما لم تفد مصر منه شيئا.
وصل درويش باشا إلى الإسكندرية يوم 7 يونيو سنة 1882 على ظهر اليخت السلطاني «عز الدين» يصحبه ابنه، ومعه الشيخ أحمد أسعد أحد المقربين إلى السلطان عبد الحميد، ووكيل الفراشة بالمدينة المنورة وبعض الضباط والمأمورين ... وبلغ عدد الوفد وحاشيته 58 شخصا. وقد كان كلا الفريقين يعمل على اجتذابه إلى ناحيته، وبدأ هذا التزاحم منذ وصل الوفد إلى الإسكندرية، فقد أوفد الخديو علي ذو الفقار باشا السر تشريفاتي يصحبه حسن حلمي باشا من أعضاء مجلس الأحكام، وطه لطفي باشا من الياوران لاستقباله على ظهر اليخت.
وأرسل عرابي من ناحيته يعقوب سامي باشا وكيل وزارة الحربية، ووقع الخلاف بين الرسولين في أثناء المقابلة، ولكن درويش باشا استقبل كليهما بالبشاشة، ونزل وصحبه بسراي رأس التين، وفي اليوم التالي ركبوا قطارا خاصا أقلهم إلى العاصمة، وقد عرجوا في الطريق على مدينة طنطا حيث زاروا مقام السيد أحمد البدوي، يتبركون بزيارته ... ثم استأنفوا السفر إلى أن بلغوا العاصمة، ونزلوا بسراي الجزيرة التي أعدت لإقامتهم حتى تنتهي مهمتهم، وبعد أن أخذوا راحتهم ذهبوا إلى سراي الإسماعيلية، فقابلهم الخديو بالترحاب ورد الزيارة للمندوب العثماني بسراي الجزيرة، على أن الخديو لم يكتم عن درويش باشا استياءه من حسن مقابلته لمندوب عرابي، ومن لهجة الخطاب حين قابله بسراي الإسماعيلية ... فتظاهر درويش باشا بأنه جاء لتثبيت سلطة الخديو.
وكانت خطة الوفد أن يتظاهر لكلا الفريقين المتخاصمين (الخديو والعرابيين) أنه معه ... فمن مظاهر تأييده للعرابيين أنه طلب نحو مائتي نيشان لضباط الجيش مكافأة لهم على ولائهم وإخلاصهم «للذات الشاهانية»، وطلب لعرابي باشا النيشان المجيدي من الطبقة الأولى، فكان هذا علامة على رضاء الآستانة عنه وعن مسلكه، على أن درويش باشا قد انتهى إلى الانضمام علانية للخديو ...!
وظهر تحول درويش باشا إلى جانب الخديو من نصحه لعرابي بالذهاب إلى الآستانة ليقابل السلطان، وأكد له أنه سيلقى منه كل رعاية وإكرام، وقد فطن عرابي إلى عواقب هذه النصيحة، وأنه قد لا يعود من الآستانة إذا هو ذهب إليها، فاعتذر للمشير العثماني بأن الأمة لا تسمح له بمغادرة البلاد، والنصيحة وإن كانت في ذاتها ليست صادرة عن نية حسنة، ولكننا نعتقد أن رحيل عرابي في تلك الآونة كان خيرا من بقائه في مصر، ومهما تكن عواقب رحيله عنها، فإنها تهون إلى جانب ما حل بمصر وبعرابي ذاته من الكوارث بعد ذلك.
ولكي نقدر مبلغ ما كان لحضور درويش باشا من الأثر، ومبلغ عجزه عن معالجة الموقف، يكفي أن نذكر أنه لم يكد يمضي على حضوره بضعة أيام حتى وقعت مذبحة الإسكندرية المشئومة، وذلك في 11 يونيو سنة 1882، فكانت إعلانا رهيبا بإخفاق مهمة المندوب العثماني، وقد حضر ضرب الإسكندرية يوم 11 يوليو، ثم انقلب إلى الآستانة في 19 يوليو سنة 1882 دون أن يعمل أي عمل لمنع وقوع هذه الكوارث. (2-1) بعد استقالة البارودي
كانت الحالة في أشد الاضطراب بعد استقالة وزارة البارودي، فالوطنيون من جهة توقعوا شرا مستطيرا من مجيء الأسطولين الإنجليزي والفرنسي، وأخذوا يترقبون الحرب والقتال من ساعة إلى أخرى، والأجانب من جهة أخرى علموا أن البلاد قادمة على حرب ... فكانوا يخشون على حياتهم أن تستهدف للخطر إذا قامت الحرب المنتظرة، فمصدر الاضطراب هو في مجيء الأسطولين لا في استقالة وزارة البارودي ذاتها؛ لأن هذه الاستقالة ما كانت لتحدث في البلاد حدثا لو وقعت في ظروف عادية.
فلو أنها استقالت دون أن يكون الأسطولان مرابطين في الإسكندرية لأمكن حل الأزمة الوزارية بغير عناء كبير، إما بإعادة وزارة البارودي ذاتها، أو بتأليف وزارة أخرى تضطلع بأعباء الحكم وتعمل على تهدئة الخواطر، ولكن وجود الأسطولين قد أوجد حالة غير طبيعية، إذ كان مجيئهما مظهرا للتهديد والوعيد ... فبقيت مناصب الوزارة شاغرة منذ 27 مايو سنة 1882، وتولى الخديو سلطة الحكم مؤقتا، ثم اضطر أن يعيد عرابي باشا إلى وزارة الحربية؛ خوفا من انتفاض الجيش على الحكومة ، وبقيت الوزارات الأخرى شاغرة.
وأخذ الأجانب يهاجرون من القاهرة والأقاليم إلى الإسكندرية، ليكونوا تحت رعاية الأسطولين وعلى مقربة منهما، فغصت مدينة الإسكندرية بالأجانب من سكانها، ومن القادمين إليها من الأقاليم، وكان احتشادهم فيها من الأسباب الباعثة على تفاقم الهياج؛ لأن أحاديثهم كانت تدور حول اقتراب وقوع القتال، وما يستهدفون له من غضب الأهلين إذا نشبت الحرب بل قبل نشوبها؛ لأن مجرد وجود الأسطولين في مياه الإسكندرية، وتقديم بلاغ الدولتين إلى الحكومة المصرية وإصرارهما على إجابة مطالبهما ... كل ذلك كان رمزا لاعتداء الدولتين الأوروبيتين على البلاد وإهاجة الخواطر. (3) مذبحة الإسكندرية
Página desconocida